الرئيسية » » الفقه الإسلامي - أصول وقواعد الفقه - الدرس ( 1 ) : أمثلة من القرآن والسنة.

الفقه الإسلامي - أصول وقواعد الفقه - الدرس ( 1 ) : أمثلة من القرآن والسنة.


بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.  اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.  أيها الإخوة الكرام... هذا لون جديد من دروس الأحد، سأعطيكم فكرة عن أقسام العلوم الإسلامية.  أولاً الإسلام عقيدة، إذاً هنالك علم العقائد، علم العقائد متعلق بالإيمان بالله ووحدانيته، وأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، وما ذا يجب في حقه ؟ وماذا يستحيل في حقه.... إلخ.  ثم الإيمان بالنبوة، وبالأنبياء والرسل، وبنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم الإيمان بالملائكة، وبالكتب، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، هذا الباب باب علم العقائد، والعقيدة أصل في الدين، فإذا زاغت عقيدة الإنسان اختل عمله، والخطأ في العقيدة خطأ جسيم، لأنه ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس انحرافاً في السلوك، وإذا صحت عقيدة الإنسان صح عمله، وإذا فسدت عقيدته فسد عمله، وتستنبط العقيدة الصحيحة من كتاب الله، ومن سنة رسول الله، والحقيقة كلما وجدت رجلاً مبتدئًا في الإيمان أنصحه أن يبتدئ بدراسة العقيدة، وأن يستمع إلى أشرطة العقيدة، لأنها هيكل أساسي لهذا الدين.  فالعقيدة أصل، وينبغي أن تستنبط من كتاب الله ومن سنة رسول الله، لا أن نقحم في هذا الموضوع ثقافات الأمم السابقة وتعقيداتها، ثم هناك الشريعة الأحكام التفصيلية، آمنا بالله وأطعنا، فلا بد من معرفة الله ومعرفة أمره، معرفة أمر الله عزوجل هو علم الشريعة والشريعة كما تعلمون فيها العبادات كالصلاة، والصيام، والحج والزكاة، وفيها العبادات التعاملية البيع والشراء، والوكالة والحوالة، واللقطة وما إلى ذلك، وفيها الأحكام الشخصية كالزواج والطلاق والإرث وما إلى ذلك، فالشريعة هي منهج الله في الأرض، فالدين عقيدة وشريعة.
وهناك فرع ثالث من فروع الدين ألا وهو الأخلاق، يعني مكارم الأخلاق، الرحمة والعدل، والحب، والشوق، والإنصاف، وما إلى ذلك.
 فالإسلام عقيدة وشريعة و أخلاق، والنبي عليه الصلاة والسلام قدوة لنا في الخلق وهو المثل الأعلى لنا في التعامل، مع الأهل، مع الأولاد، مع الجيران، مع الأصحاب، مع الأعداء على مستوى فردي أو جماعي، هذا العلم اسمه أصول الفقه، يدرسه الطلاب في المعاهد العالية في الجامعات، وفي الدراسات العليا، وقد قال بعض العلماء: علماء المسلمين أمام علماء الأصول عوام، لرفعة هذا العلم وعظمته، فبعلم الأصول أستنبط الحكم الشرعي، معي كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو القرآن، ومعي سنة صحيحة، قول قاله النبي عليه الصلاة والسلام بعد دراسات طويلة وتنقيح، وتجريح، وصل إلينا هذا الحديث من طرق صحيحة ومن سند صحيح، فأنا معي كتاب ومعي سنة، كيف أستنبط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة ؟ كيف أستنبطها ؟ هذا هو علم أصول الفقه، لذلك يعد هذا العلم أصلاً في الدين، لأن الأحكام الشرعية مأخوذة من خلال قواعده، والحقيقة أن علم الأصول علم يحتاج إلى دقة فهم وإلى يقظة عالية، وإلى تفرغ، والحقيقة أن البسيط يحتاج إلى جهد كبير، لو أن طالباً متخصصاً يحمل شهادات عليا في الشريعة، قرأ كتاباً في أصول الفقه لفهمه فهماً دقيقاً، أما حينما يحول درس الفقه إلى درس عام فلا بد من التبسيط، هو من أمتع العلوم على الإطلاق، لأن في تركيزًا عاليًا جداً، وفيه قواعد رائعة، من هذه القواعد مثلاً إذا فسد الأصل فسد الفرع، يسحب على هذه القاعدة آلاف الأحكام الفقهية، ولا أكتمكم أنه من أمتع العلوم الإسلامية على الإطلاق، لأن هذا العلم يعطيك ما يسميه العلماء بالفكر الفقهي، يؤلف فكرة الفقه، وعلل الفقه، واستنباطات الفقه، وقياسات الفقه، واجتهادات الفقه، وأعطيكم فكرة عن درس الفقه في موضوع في الأصول اسمه القياس، هذا الموضوع يحتاجه كل منا، فمثلاً لو اعتدى أحدهم على أبيه فوبَّخته توبيخاً شديداً على فعلته، يقول لك ما الدليل على أن العدوان على الأب محرم ؟ نقول له:
﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾
(سورة الإسراء23)
 يقول لك: أنا ما قلت له: أف، أنا ضربته، ألا ترى أن هذا الإنسان مختل العقل، إذا كان الله عزوجل قد حرم عليك أن تقول له أف فمن باب أولى أنْ يحرم عليك ما هو فوق ذلك فهي قواعد فكرية صارمة، ودقيقة جداً، فإذا تعلمناها يمكن أن نضع أيدينا على أسرار هذا الدين العظيم ولن أدخلكم في تفاصيل وفي تعقيدات، ولكن أضع بين أيديكم آيات وأحاديث حتى يكون وكأنه درس في التفسير المبسط، وفي السنة النبوية المطهرة، مثلاً قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)﴾
(سورة الحشر )
 هذه آية، هؤلاء اليهود في عهد النبي كانوا أقوياء، أشداء، يسكنون في حصون حصينة، وعندهم ثراوات طائلة، وعندهم بساتين، وعندهم أرزاق، حينما قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب، ماذا فعلوا ؟ خربوا بيوتهم بأيديهم، ربنا عزوجل قال:
﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)﴾
 يا أولي الأبصار اعتبروا، يعني قيسوا ما فعلوه بأنفسهم، فكلُّ قوم في المستقبل لو أنهم أشركوا، أو انحرفوا، لَعَاقبهم الله عزوجل، بأنْ يلقي في قلوبهم الرعب، وهذا قد رأيتموه وسمعتموه في الأيام الماضية، قوة عاتية، متجبرة، متغطرسة، مستعلية توهمتْ أنها القوة التي لا تُغلب، فجاءها أناس ضحوا بأنفسهم وباعوها لله عزوجل، واستطاعوا أن يملؤوا قلوبهم رعباً وخوفاً، فتركوا الأرض وخرجوا، وتركوا الأسلحة، ألا تقاس هذه الحادثة على هذه الحادثة هذا مثل صغير للقياس، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)﴾
 يعني قيسوا على أنهم خربوا بيوتهم بأيديهم، على أنَّ كل قوم انحرفوا وطغوا، وعتوا، وتجاوزوا الحدود يمكن أن يقذف الله في قلوبهم الخوف، فهذه آية بسيطة جداً تدعونا أن نقيس على ما فعلوه بأنفسهم، فإنّ الله عزوجل يمكن أن يصيب أيَّ قوم في المستقبل بمثل الذي فعلوه بأنفسهم.
آية ثانية:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)﴾
(سورة غافر )
 ماذا أستفيد إن رأيت آثار قوم فرعون، الذين أشادوا هذه الأهرامات العظيمة، والذي يذهب إلى مصر ويرى هذه الأهرامات يرى عجائب الدنيا، كل حجر يزيد طوله عن عشرة أمتار، وعرضه عن سبعة أمتار، وارتفاعه عن أربعة أمتار، جيء بها من أسوان، كيف حمل ؟ وكيف نقل ؟ وكيف نقل من نهر النيل إلى مكان الأهرامات، وكيف بني هذا الهرم بشكل هندسي رائع، كيف رفعت هذه الأحجار، وهذا الهرم فيه نافذة يدخل منها ضوء الشمس في العام كله مرة واحدة، دراسة الزوايا والأبعاد شيء لا يصدق، هؤلاء الفراعنة حنطوا الجثة، وكأنها هي هي، فرعون موسى الذي غرق في البحر موجود حتى الآن، تراه بأم عينك، هل عندنا تحنيط بهذا المستوى قال:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)﴾
 معنى ذلك أن أية أمة طغت، وبغت، واستعلت، وقويت، وتملكت، وهيمنت وسيطرت، يمكن أن يدمرها الله عزوجل كما دمر قوم فرعون، أيها المؤمن قس على هذه الحادثة قاعدة، هذا قياس.
فهذه الآيات تبين أن الإنسان مطالب بأن يقيس، فلو شاهدت إنساناً يكسب كسباً حراماً ودمره تدميراً كاملاً، وجعله يتمنى لقمة الطعام، فإذا رأيت إنساناً آخر سلك هذا المسلك وكسب المال الحرام، ونمى أمواله عن طريق الربا، ألا تتنبأ له بمثل هذه النتيجة ؟ العلم المادي يهدف إلى كشف القوانين، والقانون هوعلاقة ثابتة بين متحولين، نحن إذا قلنا: إن المعادن تتمدد بالحرارة، فحينما نفهم هذا القانون، ونريد أن نبني بناء، لا بد أن نجعل فواصل تمدد، ولو ألغينا هذه الفواصل لتهدَّم البناء فمهمة القانون أن يعينني على التنبؤ، فالقانون قاعدة وعلاقة ثابتة يقاس عليها حالات متعددة، هناك آية ثالثة، قال تعالى:
﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾
(سورة الأنعام 145)
 فإن الله سبحانه وتعالى حرم الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، لأن كل ذلك رجس أي قذر نتن، تنفرمنه الطباع السليمة، مثل هذا قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ﴾
(سورة المائدة 90)
 ما الذي يجمع الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ؟ يجمع هذه الثلاثة حكم واحد وهو أنها رجس، ما الذي يجمع الخمر والميسر و الأنصاب و الأزلام ؟ تجمعها كلمة واحدة أنها رجس، فكلمة رجس هذه علة التحريم، إذا قلنا الخمر مسكرة، تسكر، لورأينا شراباً كتب عليه بيرة، ما كتب كلمة "خمر"، حلال أن نشربه ؟ لا، لماذا يحرم ؟ ولم يرد في القرآن والسنة قال لأن الخمر مسكرة، والبيرة مسكرة، اجتمعا في علة واحدة، فإذا اجتمع شيء له حكم شرعي وله علة، وشيء آخر لم يرد به نص، وله علة تنطبق على علة الأصل المحرم، ينسحب حكم التحريم الأول على الثاني، فالنبي قال:
((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ))
(أخرجه البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ)
 فلو صنعوا آلاف الأنواع من الخمور، وسموها أسماء متعددة، حتى لو سموها مشروبات روحية فهي محرمة ؟ في هذا العصر الحديث تسميات، يقولون: مشروبات روحية وقيم روحية، تسميات مضحكة، تسمى الروحَ والعياذ بالله، وهي تدنس الروح، إذاً هنا جاءت علة واضحة:
﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾
(سورة الأنعام الآية 145)
 فإن الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير رجس، وكلام الله عزوجل معجز، لأن الدم نجس إذا كان مسفوحاً، فإذا كان في الأوعية فهو طاهر، لماذا ؟ لأن الكليتين تصفيان هذا الدم لأن الدم يمر بالكليتين في اليوم الواحد خمس مرات، الطريق في الكلية طوله 100 كيلو متر فهل تصدقون ؟ الكلية فيها مليون مفرون لو وصلت هذه المفرونات مع بعضها بعضاً لكان طولها يزيد عن 100كيلوا متر والدم يجري من خلالها خمس مرات، فالدم طاهر لأن الكليتين تتوليان تصفيته من حمض البول، ماذا تعمل ملايين الغدد العرقية في الإنسان ؟ أيضاً تصفي الدم من حمض البول، ماذا تعمل الرئتان تصفيان الدم من غاز الفحم، الزفير فيه غاز فحم، فإذا رفع أحدنا اللحاف فوق رأسه في الشتاء هل يستطيع أن ينام ؟ لا، لأن الزفير فيه غاز فحم، ويفتقد الأوكسجين، إذًا الرئتان تنقيان الدم من غاز الفحم، والكليتان تنقيان الدم من حمض البول والغدد العرقية أيضاً تنقي الدم من حمض البول، فالدم طاهر، أما إذا سفح الدم نمت فيه الجراثيم بشكل مذهل، لذلك إذا أردنا أن نستنبت وأن نزرع الجراثيم لا نجد بيئة صالحة لنمو الجراثيم إلا الدم فالله عزوجل يقول:
﴿ أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾
 علة تجمع بين هذه المحرمات:
﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾
 أي شيء قذر نتن، تنفر منه الطباع السليمة، مثل هذا قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾
(سورة المائدة 90)
 أيضاً جمعت هذه الأشياء الأربعة بعلة واحدة، شيء خامس هو رجس قذر نتن تنفر منه الطباع وهو محرم بالقياس، آية أخرى:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾
(سورة البقرة 222)
 ما علة التحريم في المحيض، ما علة تحريم إتيان المرأة في المحيض ؟ أن إتيانها أذى:
﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾
 ما ذا نسمي كلمة "أذى"، نسميها علة التحريم، محرم لأن فيه إيذاء للمرأة والرجل فحينما يقول لك إنسان أعلى منك منزلة: هذا ممنوع عليك، من أجل صحتك، أليس هذا تودد من الآمر إليك، الآمر المتجبر لا يعلِّل لك، ولكن يقول لك: لا تفعل،و انتهى الأمر، الآمر المتجبر الطاغية، يعطيك الأمر فقط من دون تعليل، خالق السماوات والأرض، رب العرش العظيم ينهاك ويعطيك التعليل تودداً إليك، أب يقول لأبنه: إياك أن تفعل هذا وإلا سحقت، وأب آخر يقول لابنه: يا بني هذا إن فعلته يؤذيك، ورحمتي بك تقتضي أن أنهاك عنه، شتان بين الآمرين، الأمر المعلل فيه رحمة، وفيه تودد، وفيه حب، لأنه يحبنا يقول: فإنه رجس، لذلك قال الإمام الشافعي: العبادات معلقة بمصالح الخلق، كلام رائع جداً، لذلك قال بعض العلماء الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، حكمة كلها، مصلحة كلها، فأي قضية خرجت من العدل إلى الجور , ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الرحمة إلى خلافها، ومن الحكمة إلى خلافها، فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل، أنت مع دين معلل، أما أي دين أرضي وضعي غير معلَّل فهو طقوس ما لها من معنى أبداً، فكل عبادة لها علة .
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
(سورة العنكبوت 45)
 هذه علة، علتها أنها تنهاك عن الفحشاء والمنكر، الصيام
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
(سورة البقرة )
 كي تتقي غضب الله، كي تتقي الهلاك في الدنيا، كي تتقي نار جهنم، كي تتقي سخط الله عزوجل، هذا الصيام والصلاة، الزكاة:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
( سورة التوبة 103)
 علة الزكاة أنها تطهر، تطهر الفقير من الحقد، تطهر الغني من الشح، تطهر المال من تعلق حق الغير به، مال طاهر، أديت زكاته، وتزكيهم، تزكي الفقير، يشعر أن المجتمع مهتم به، وله قيمة، فالفقير تزكو نفسه عندما يحس أن المجتمع مهتم به، والغني حينما يرى البسمة تعلو وجوه الصغار عندما أطعمهم، يشعر بأنه أدّى عملاً عظيمًا، والمال يزكو على الإنفاق فالزكاة إذًا معللة.
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
 هذه الصلاة والصوم والزكاة، الحج قال:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾
(سورة المائدة 97)
 أنت حينما تعلم أن الله يعلم تحل كل مشكلاتك، حينما تشعر أن الله معك ويعلم كل شيء، تنضبط.
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾
 هذا الحج، ماذا بقي ؟ صوم، وصلاة، وحج، وزكاة
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
(سورة محمد 19)
 فحينما تذنب، وحينما يأتي العقاب، لا ينبغي أن تحقد على أحد، ينبغي أن تعلم أن هذا الذي ساقه الله إليك من عنده، تأديباً لك، ولو كنت موحداً لما وقعت في الذنب.
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
 وكما قال الإمام الشافعي: العبادات معلقة بمصالح الخلق، وقوله تعالى:
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
(سورة المجادلة 11)
 علة الرفع الإيمان والعلم.
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
(سورة المجادلة 11)
 إنّ الأب إذا عاقب ابنه، ولم يبين له العلة، ليس أباً، وليس مربياً، صار متشفياً، أما الأب المربي إن ضرب ابنه على ذنب ارتكبه، يقول له: يا بني ضربتك من أجل هذا الذنب وإذا كافأه يكافئه مع العلة، فلماذا رفع هؤلاء، لأنهم آمنوا وأوتوا العلم، فالعلم سبب الرفع وعلة الرفع.
﴿ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)﴾
(سورة الحاقة)
 لماذا أخذهم أخذة رابية، لأنهم عصوا رسول ربهم، إذاً هذا عقاب مع التعليل، وذاك عطاء مع التعليل، وعندنا آيات أخرى تفيد التعليل، تفيد القياس، قال تعالى:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)﴾
(سورة آل عمران)
 يعني أنتم إذا رأيتم امرأة تلد من غير زواج، واستغربتم، واستنكرتم، واتهمتموها بما لا يليق بها ، هناك حالة مشابهة، سيدنا آدم خلق من دون أب وأم، قال تعالى:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)﴾
 آية أخرى.
﴿ ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)﴾
(سورة القيامة)
 بلى، إذاً هنا جاءت العلة، يعني لماذا نؤمن أن الله سيعيد خلقنا بعد الموت ؟ أو يوم القيامة ؟ لأنه خلقنا أول مرة، والذي خلق أول مرة قادر على يخلق مرة ثانية:
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ
﴿ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾
(سورة الروم 28)
 أنت عندك محل تجاري، وعندك موظف، هل تقبل أن يبيع الموظف المحل وأنت لا تعلم ؟ أعوذ بالله، مهمة الموظف أن يبيع ويشتري، أما أن يبيع المحل، أو أن يلغي الشركة فهذا ليس من عمله، إنه عمل الشريك، فكيف تجعل لله شريكاً.
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾
 من حياتكم اليومية.
﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ﴾
 آية أخرى.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾
(سورة الجمعة 5)
 تصور حمارًا على ظهره كتاب فقه على المذاهب الأربعة، مع الاستدلال:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾
 أحدهم ذهب إلى الحج، رأى الطرقات الجيدة، والخدمات الكبيرة، ورأى والمياه الباردة والعناية الفائقة، فلما سئل بعدما حج بيت الله الحرام قال: أنا أنصح الحجاج أن يحجوا في السعودية، قالوا لأنه جاهل، وإنسان آخر يحمل شهادة عليا، وهو في طريق العودة من الحج قال: والله الحج ممتع، ورائع، وهؤلاء الذين ولاهم الله أمر الحج أدوا هذه الأمانة، هو متكلم لكن لو جعلوا الحج على خمس مرات على مدار السنة لخف الزحام، هذا يوافق قول الخبراء الذين استقدموا من أمريكا لحل مشكلات الزحام في الحج، فقدموا دراسة رائعة ؛ أن يكون الحج على خمس مرات في العام، فهذا جهل كبير.  ومن أقيسة النبي عليه الصلاة والسلام، أنه ما روي عن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أرأيت لو تمضمضت بالماء ؟ قلت لا بأس، قال: فمه، أي فما وقع منك أمر هين سهل لا بأس به، كالمضمضة .
(( وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ))
(رواه البخاري)
(( وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى ذَلِكَ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ))
(رواه البخاري)
 كلام دقيق يقاس هذا على هذا.
والحمد لله رب العالمين
Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger