الرئيسية » » الدرس الحادى والعشرون - مراتب الذكر

الدرس الحادى والعشرون - مراتب الذكر


ذكرنا أنه يمكن للمبتدىء بمجاهدة نفسه على طلب الحضور مع الله أن يتصور أمامه ويتخيل حروف الذكر فيكون أول معنى للحضور هو الحضور مع الحروف ثم إذا انصرف عما يحيط به إلى الذكر الذي هو فيه فليـُعمِل النظر في معاني الحروف التي يذكر الله عزوجل بها، يستشعر معنى إخراج ما سوى الله من قلبه عند النفي والإثبات في لا إله إلا الله، ويستحضر تعظيم الحق عزوجل وتنزيهه في التسبيح إذا قال سبحان الله، ويستشعر عظمة الحق إذا قال الله أكبر، ثم يرتقي بعد الحروف والمعاني إلى استشعار الحضور مع المذكور سبحانه حيث تضمحل الحروف وتضمحل المعاني ولا يبقى ساعة الذكر إلا الباقي سبحانه عز وجل، حيث يستشعر الذاكر أن هذا العالم الذي يحيط به هباء،. يضمحل في مشهده، بل يستشعر أنه هو هباء يـَفنى في مشهده فلا يبقى أمامه إلا من يـَذكـُر سبحانه عز وجل، ولو تذكرون كنا نقول أن هذا الأمر في أوله يحتاج إلى تكلـّف، يحتاج إلى مجاهدة للنفس، يحتاج إلى الصبر والمكابدة يحتاج إلى أن تسبقه مقدمة إتقان الفرائض على وجهها.

مراتب الذكر


1. ذكر باللسان :


أي اشتغال هذه اللحمة (العَضَلة) بتحركها بذكر الله عز وجل وهو عطاءٌ من الله أن يلهمك الله عزوجل أن تـشغل لسانك بذكره هو بحد ذاته عطاء ينبغي بأن تشهد فضل الله فيه ينبغي أن تحمده عليه، شكا بعض السائرين إلى شيخه يقول: إنني أشتكي عدم حضور قلبي مع الله عزوجل في الذكر، ذكري فقط باللسان فـَلـَمَح الشيخ في كلمة التلميذ مع الرغبة الصادقة في حصول حضور القلب إشكالاً، وهو أنه لم يستشعر عظمة منـّة الله عليه، حيث شغل لسانه بذكره، فقال له: فلتحمد الله الذي زين جارحة من جوارحك بذكره، شغل شيئاً من أعضائك بذكره فإنك إذا شهدت هذه النعمة وحمدته هيأك للمرتبة التي تليها، ومن أدمن الذكر باللسان بصدق النية وإخلاص الوجهة.. لابد وأن يثمر هذا الذكر في قلبه نوراً يرتقي به إلى ذكر القلب وهي الرتبة الأعلى..

2. ذكر بالقلب :


أول مراتبه استحضار معنى الذكر، وثاني مراتبه تذوق معنى الذكر، ما الفرق بين الأمرين؟
استحضار معنى الذكر، عند الذكر تقول لا إله إلا الله هذا معناه لا معبود بحق إلا الله، لا موجود على وجه الحقيقة إلا الله، لامقصود إلا الله، لا مشهود إلا الله، نفي ما سوى الله عز وجل عن قلبك، هذا شيء تستطيع أن تستحضره في قلبك وعقلك أن تتفهمه لكن الاستمرار على هذا الحال على وصف الإخلاص يجعل القلب يتذوق لذة الذكر، يعرف أن لـ (لا إله إلا الله) ذوق، لها لذة (سبحان الله) لها لذة أخرى (الحمد لله) لها لذة ثالثة (الله أكبر) لها لذة رابعة..

- مراتب تلذذ في : لا إله إلا الله ..

1. يتلذذ بمعنى أن الله أكرمه بالتوحيد فهو لا يعبد غير الله، في كل مرة يقول فيها لا إله إلا الله يذوق لذة نعمة التوحيد، لا معبود إلا الله.
2.
هناك طعم آخر لـ(لا إله إلا الله) يذوقه القلب وهي لذة إفراد الوجهة إلى الله، لا مقصود إلا الله، لا أقصد في حياتي غير الله، لا أطلب إلا الله، لا أرغب في غير الله لا أتوجه إلا إلى الله.
3.
هناك طعم أرقى وهو الثالث لا موجود إلا الله، ما معنى لا موجود؟ هذا العالم الذي حوالينا؟ نعم هو موجود لكن ليس موجوداً بذاته باستقلاله، من الذي أوجده؟ الله، ولو لم يتجلى عليه الله عز وجل بقوله (كـُن) لما كان، فإذاً هذا الوجود ليس له وجود بذاته لولا أن الله أوجده، فلا موجود بذاته باستقلاله إلا الله، فتشهد أن لا موجود أمامك إلا الله، هذا معنى.
4.
هناك طعم رابع لـ(لا إله إلا الله)، لا مشهود إلا الله، أي ما تشهد أمامك فيما ترى في هذا العالم من تحرك أو سكون أو عطاء أو منع أو حزن أو فرح إلا الله، من الذي ألهم فلان أن يعطيك؟ ومن الذي ألهم فلان أن يمنعك؟ من الذي ألهم فلان أن يدخل السرور على قلبك؟ ومن الذي ألهم فلان أن يحزنك؟ الله، كل هذا العالم صور في تحركاته من وراء هذه الصور مصور عظيم إذا استشعرت لذة ذكره ارتقيت لأن تكون معه لا مع هذا الوجود.

الذكر فواكه ومذاقات !!

سبحان الله كنا نتكلم عن مذاق لا إله إلا الله ومذاق سبحان الله ومذاق الحمد لله والله أكبر مذاق أستغفر الله، ومذاق الصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام، اليوم الناس ينشغلون عند ذكر المذاقات بالأطعمة، يعرف الواحد كيف يفرق بين طعم الأرز وطعم الخبز ويعرف يفرق بين مذاق السلطة والخضروات وبين مذاق الفواكه، ثم بعدها يعرف يفرق بين مذاق الأرز إذا طبخ مكبوساً أو إذا طبخ مسلوقاً، الطعام الواحد له مذاقات .
لكن تعالوا نخرج عن الأسر الذي نعيشه في أن تنحصر معاني الذوق عندنا فقط على مشتهيات الأنفس، إيه.. إن لقلبك ذوقاً وشوقاً وتشهياً لا تحسر ولا تحرم نفسك من لذته، فإذا ارتقى الإنسان إلى ذكر القلب أورث القلب نوراً يسميه العلماء نور المعرفة بالله ..

3. ذكر الروح :


القلب ذكره يورث معرفة الله لكن الروح ما هو ذكرها؟ ذكرها أن تهيم في الشوق إلى الله عز وجل، أن تهيم في محبة الله، أن يأخذها معنى تلذذها بالقرب منه سبحانه، بأنسها به فـتـَذوقِ الروح للذكر حب، حُب!!؟ هذه أرقى كلمة في العالم اليوم لكن الناس قد سقطوا بها في كثير من أحوالهم إلى الدون، المحبة شيء عالي.. أرقى ما يمكن للقلب أن يتوجه به القلب، أن تتوجه به الروح، فإن الروح إذا توجه بالحب ارتقى صاحبه..

وهنا يأتي ارتباط الذكر بالحب ففرق كبير بين من يشتغل بالذكر وروحه تتوهج وتتوقد حبا وبين من يذكر فقط ليذكر، يذكر فقط ليمضي وقتاً، يذكر فقط ليحصل الخير وهو على خير، لكن الفرق كبير ومن صدق في محبة الله فلا بد وأن يكون مكثرا من الذكر، من (أحب شيئاً أكثر من ذكره) .

4. ذكر السر (السريرة) ..


5. ذكر أرقى، وأرقى ..


ولا منتهى للمراقي، لماذا لا منتهى للمراقي؟ لأنها متصلة بالله (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى)، إذاً لا منتهى للمراقي، لكن الذي يعنينا من هذا الحديث الآن ونحن نتحدث على الملأ مع العالم مع كل من يسمع: أن المسلم قد أكرمه الله عزوجل إذا صدق في طلب القرب من الله بإكرامات في باطنه هو، في داخله يعيش بها قيمة الحياة ليخرج بها من أسر الشهوات، يخرج بها من أسر المحدودات المحصورات الماديات يرتقي بها من أن يسقط بها إلى الحضيض، من أن يُشيء، تعرفون معنى يشيء؟ يتحول الإنسان إلى بضاعة إلى شيء، نحن في زمان صال كل شيء يحيط بنا يشيء، صار الإنسان بضاعة نحن في زمان أوصل التقدم والتطور والحضارة والانجازات العلمية أوصلت الإنسان إلى أن يفقد قيمة إنسانيته، في بعض البلدان نجد أن المحكوم عليهم بالإعدام يؤخذون في سيارات كبيرة وعلى سرر مثبتة بحديد وقيود ثم يذهب بهم إلى مركز طبي ويأتي طاقم الأطباء الطبيب الأول يحقن كل واحد منهم بحقنة يموت بثلاث دقائق بعد أخذها، والآخر يفتح الصدر والبطن ويدور على الذين ماتوا واحداً بعد واحد والثالث يأخذ القلوب والرابع يأخذ الكلى والخامس يأخذ العيون فيتحول الإنسان إلى بضاعة تودع بعد ذلك في بنك يباع ويشترى فيها..

جاء نور المعاملة مع الله ليرتقي الإنسان من هذا المستوى من الانحطاط الذي يتحول فيه حال الإنسان عندما يفتح الله عليه بالمُكنة في هذه الأرض، عندما يلهمه الله اكتشاف أسرار هذه الأرض، قوانين هذا الكون، نواميس هذا الكون، يعطيه أن يحفر في الجبال ويغوص في البحار ويخترق الفضاء، وبعد ذلك كله يكتشف أنه فقد وجوده فقد ذاته، يعيد للإنسان معنى إنسانيته، معنى أنه عبد لرب أحبه وكرمه (كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، أن فيه سر النفخة (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) أن فيه معنى الارتباط بسر الأمانة (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً).

نور البصيرة.. عين القلب ..


إذا ارتقى الإنسان في معنى يذوق فيه لذة صلته بربه حال الذكر انفتح للإنسان في باطنه شيء يسمونه البصيرة، يسمونها الفراسة، يسمونه التوفيق، يسمونه الالهام، يسمونه الفتح، يسمونها المعرفة بالله يسمونها عين القلب (إِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) هذه البصيرة إذا توقدت بنور الذكر في قلب السائر إلى الله بدأ ينظر إلى الوجود الذي يحيط به نظرة تختلف عن نظر الغافل، إذا نظر إلى شيء نظر إليه نظر إليه بعين المتبصر، العين إذا نظرت إلى شيء من أمور الدنيا تنظر إلى ظاهر زينتها والقلب ينظر إلى باطن عبرتها، العين تنظر إلى اخضرار الأرض إذا اخضرت فتلتذ النفس بجمال اخضرارها لكن القلب ينظر من وراء ذلك إلى عظمة من جعلها خضراء إلى عظمة من أبدعها، إذا هب النسيم العليل فشعر الإنسان بجمال هذا النسيم إذا هبَّ أخذت النفس حظها من تلذذها ببرودته وعذوبته لكن القلب يأخذ شيئاً أكبر وهو أنه يستدل بالنسيم على من نسمه، على من أجراه، على من أنعم عليه به، إذا شرب أحدنا شربة من الماء العذب فيه شيء من البرودة في شدة الصيف وحرارته، النفس تلتذ مع الجسد بجمال ذلك وعذوبته لكن القلب يلتذ من وراء ذلك بشهود فضل المنعم الذي سقى سبحانه وتعالى، الذي جعل هذا الماء عذباً وهنا يأتي الذكر “الحمد لله الذي سقاني برحمته ماءً عذباً فراتاً ولم يسقني بذنوبي ماءً ملحاً أجاجاً“..

هكذا حال المريد هو يلتذ، لا تظنون أن السائر إلى الله السالك الطالب لمعنى القرب من الله عزوجل محروم مما يتنعم به غيره من الغافلين، لا والله!! إنه يتنعم أضعاف تنعمات الغافلين، هو يلتذ بعذوبة الماء لكنه يلتذ مع ذلك بما هو أعظم بعذوبة شهود فضل الذي ساق له هذا الماء، إذا سمع صوتاً جميلاً حدا بنغمة جميلة ببيت من الشعر جميل أخذه جمال الصوت مع جمال النغمة مع جمال الكلمة ليرتقي به مع استعذاب النفس وحظ النفس من الطرب يرتقي به طربه إلى استعذاب من أودع الكلمات روح المعاني، ومن أودع الحنجرة حبال الصوت هذا الجمال عند الإنشاد، ومن أودع المنشد جمال الاتقان للنغمة عندما ينشد، من أوجد فيها سر تحريك نفسه، الله، فهو يعيش معه في سائر أحواله يرتقي بذكره إلى شيء اسمه الذوق هذا الذوق يجعله ينظر إلى الحياة ويعيش مع الحياة معنىً غير الذي يعيشه من انقطعوا عن ذوق لذة الصلة بالله عز وجل، نور الصلة بالله سبحانه وتعالى..

الفكر.. من هو المفكر ؟؟


فيرتقي في فكره هذا هو المُفـَكِر، اليوم كلمة مفكر في عصرنا شرّقت وغرّبت وخبط الناس بها فيما ينبغي وفيما لاينبغي لكن اسمعوا هذا هو التـَفكـّر، المفكر الذي يُعمِل فكره فيما يزداد به قرباً من ربه فيما يزداد به معرفةً بالله فيما يزداد به معرفة بالوجود الذي يحيط به..

فيمَ نتفكر ؟


* ما من ذرة من ذرات هذا الوجود إلا ولسان حالها يقول، الله، وعزة الموجود!! تقول الله خلقني، الله لك سخرني، الله أمرني أن أكون لك مسخرة، الله قد ساقني لك تتنعم بي، هذا المعنى من التفكر يجعل الإنسان ينظر في هذا الوجود في القرآن الصامت وهو هذا الكون الذي أوجده الله عزوجل من حولنا، ينظر نظرة المستعبر فيه الذي يقرأ آيات الله عز وجل كيف خلق الله هذا الوجود؟ كيف برأ هذه الأرض بما فيها؟ كيف برأ هذه الأرض والسموات؟ كيف أوجد الماء؟ كيف أحكم تسير هذا الوجود بقدرته؟ كيف برأك أنت في نفسك حتى تبصر في داخلك، في باطنك كيف أوجد فيك ما أوجد؟ التفكر يورث القلب نور المعرفة بالله، هذا نوع من التفكر، التفكر في عظمة هذا الوجود الذي أوجده الله يورث القلب نور المعرفةً بالله فيزداد به القلب معرفة وتذوقاً لعظمة الله سبحانه.

* ثم تتفكر فيما أنعم الله به عليك، النعم العظيمة الجزيلة، النعم المحسوسة والنعم المعنوية، نعمة السمع، نعمة البصر، نعمة الذوق، نعمة الألم، تعرف نعمة الألم؟ نعمة الجوع، تعرف نعمة الجوع؟ لولا نعمة الجوع لمِت وأنت تسير في الطريق لأنك لن تبالي بحاجة جسمك إلى الطعام.. لولا نعمة الألم لمِت وأنت تسير في الطريق لأنه لولا نعمة الألم ما شعرت أنك بحاجة إلى التطبب، كل ما يحيط بك نعم يسوقها الله عز وجل إليك، نعمة الوالدين، نعمة الزوجة، نعمة الأبناء، نعمة الإدراك التي أعطاك الله إياها، وهناك من النعم المعنوية نعمة الأمن، يا إخواني الكثير منا اليوم يعيش في أمن وأمان، يصبح ويخرج من بيته ويرجع وهو آمن على زوجته وأولاده، لكم إخوان في الأرض أحدهم يخرج من بيته وهو لا يدري أيرجع أم لا يرجع؟ أهله وأولاده في خوف وهو لا يدري عندما يرجع أيجد زوجته وأولاده على قيد الحياة أم أن البيت قد دُمر ومن في البيت قد قـُتل، نعمة الأمن، نعمة الرزق..

* نعمة أخرى وهي نعمة الستر، نعمة الستر يا إخواني، كانت هناك أمة من الأمم إذا أذنب أحدهم أصبح مكتوباً وعلى جبهته قد فعل البارحة كذا وكذا، وهناك أمة أخرى إذا أذنب أحدهم بالليل أصبح مكتوباً على باب بيته فلان فعل كذا وكذا، لكن الله عز وجل قد أكرمك بنعمة الستر، ولولا نعمة الستر ما تصافح الناس، لولا نعمة الستر ما تحاب الناس وما تقاربوا من بعضهم البعض، لولا نعمة الستر لما احترمك أحد في هذا الوجود، لما استطعت أن تقضي حاجة من حاجاتك أو مطلباً من مطالبك، هذه النِعم التي تساق إليك، نعمة (لا إله إلا الله) نعمة أنك مسلم، تعرف إذا أصبحت تقول الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة، إذا تفكرت في هذه النعم العظيمة الجزيلة التي ساقها الله تعالى إليك أورثك ذلك شيئاً اسمه (حب الله) فالتفكر في النعم يورث المحبة، محبة الحق على وجه الحقيقة لأن النفوس جبلت على حب من أحسن عليها.

- قصة :  كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يسير في الطريق فوجد رجلاً على قارعة الطريق مقطوع الأطراف لا يدين ولا رجلين به جذام جلده متناثر أعمى لا يرى وفي حالة رثة والناس يمرون يضعون الطعام في فمه إشفاقاً عليه وهو على الرصيف على قارعة الطريق مـُلقى، فأخذ يتأمل فيه فإذا بالرجل يقول (الحمد لله على نعمه العظيمة وعطاياه الجسيمة)، نعم عظيمة !! عطايا جسيمة!! توقف ابراهيم بن أدهم، هنا قضية، هنا شيء أحدنا إذا جاءه مغص في بطنه يقول يا رب لمَ المغص في بطني، هذا يدين ورجلين مقطوعتين، أعمى، أجذم، مرمي في الشارع فألقى ابراهيم بن أدهم عليه السلام فقال وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابراهيم، قال كيف عرفتني؟ فقال: ما جهلت شيئاً منذ عرفت الله، تعالوا وأحضروا قلوبكم وعيشوها بالمعاني الراقية، عيشوها بمقاصدها، أناس تعامل الله عز وجل، قال له: ماذا كنت تقول آنفاً قال كنت أقول الحمد لله على نعمه العظيمة وعطاياه الجزيلة، قال: ما الذي جرى لأطرافك؟ قال بترت، قال ما الذي على جلدك؟ قال الجـُذام، قال أين بصرك؟ قال: كُفَّ، قال أين بيتك؟ قال قارعة الطريق التي تراني عليها، قال من أين تأكل؟ من الرزق الذي يسوقه الله لي على أيدي خلقه نعمة منه، قال فأين النعم العظيمة والعطايا الجسيمة يا هذا؟ قال: يا ابراهيم.. ألم يُبقي لي لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً!! قال: بلى، فقال: فأي نعمة أكبر من هذه؟!

ننصرف من هذا المجلس


بأن يتأمل العبد ونظر في نعم الله واستشعر عظيم فضل الله فاض نور الحب في قلبه استشعر عظمة هذا الرب الكريم وإذا تفكر الإنسان في الدنيا وفنائها وما تلعب به بأهلها وكيف تعبث بهم ترفع أحدهم ثم ترميه وتلقي به، كيف تستر أحداً فترة ثم تفضحه، كيف تؤذي من أخلص لها وترك إخلاصه لله، كيف تدوس وتستخدم من خدمها، كيف هي قليلة العطاء كثيرة العناء سريعة الفناء، نبت في القلب نور الزهد..

فإذاً التفكر في آيات الله وعظمة ما أودع يورث نور المعرفة والتفكر في آلاء الله ونعم الله يورث الروح نور الحب والتفكر في أحوال الدنيا وفعلها في أهلها يورث القلب الزهد فيها وإنزالها منزلتها فتكون الدنيا في اليد ولا تكون الدنيا في القلب أبداً هذا معنى أو هذه نفحة نفحنا الله بها في هذا المجلس أو بداية أو مفتاح من مفاتيح التفكر، لكن الذي يقبل بنور الذكر على ساحة الفكر يفاتحه الله ويفتح على قلبه بمعانٍ من هذا التفكر يرتقي به مرة بؤنس يغيب به مع الله غياباً يفوق غياب السكران الذي يسكر بما يشرب، ذاك يسكر بشرب الإثم وهذا يسكر بشرب نور والتفكر والحب والشوق إلى الله، وتارةً يأخذه الله إليه بنور الخوف من الله وتارةً يأخذه إليه بنور الأنس بالله وتارةً يأخذه إليه بنور الحياء من الله، أنا قصرت وأعطاني فيتنقل العبد من نور إلى نور، من نور إلى نور، ولنا حديث بإذن الله الملك الواحد الكريم النور في المجلس القادم حول صلة بترقي الإنسان في معارج هذا الفكر ليرقى إلى معاملة الله بهذا الفكر رزقنا الله وإياكم أنوار الفكر ..

اللهم حققنا بحقائق الفكر وأنعم علينا بنعم الذكر واجعلنا من عبادك الصالحين، ويختم مجلسنا هذا بالدعاء أخي وسيدي الشيخ عدنان السقا حفظه الله تعالى وهو من كبار العلماء الدعاة إلى الله الذي عرفته وصحبته ورأيت فيه من الصفاء ما الله به أعلم، تفضلوا يا شيخ حفظكم الله..

دعاء .. الشيخ عدنا السقا..


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبد وخليلك سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، اللهم تقبل منا من أعمالنا ما كان صالحاً، وأصلح منها ما كان فاسداً، وأصلح فساد قلوبنا واصلحلنا ظاهراً وباطناً يا مصلح الصالحين، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم إنا نسألك الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم زدنا حباً فيك وبأحبابك، اللهم اجعلها دروس ترقيق وتطبيق ونهوض واستنهاض ورقي وحضارة وتقدم، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبد وخليلك سيدنا محمد، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة..
Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger