الرئيسية » » الدرس العشرون - اداب الذكر

الدرس العشرون - اداب الذكر


 * فائدة: ذكر الإمام السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع: أن أقل الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مائة مرة حتى يكون الإنسان مكثراً ويُعد من المكثرين، أقل الإكثار ثلاث مائة مرة.
اتفقنا أن نحرص على الصف الأول ولكن لا نتخطى الرقاب إلا لو كان هناك فراغ، لكن لا تؤذي الناس وتزاحمهم في حال عدم وجود فراغ في الصفوف الأولى، اتفقنا أيضاً أن نحافظ على الرواتب على الضحى على الوتر سنتدرج في ذلك، سنحافظ على صلاة الأوابين بعد المغرب لتكن ست ركعات، وعلى أربع ركعات بعد العشاء، اتفقنا على أن نحافظ على ورد من الكتاب العزيز إلى أن تصل إلى الجزء فإن زدت فهو خير أن يكون متوسط تلاوتك على مر أشهر السنة أن تختم كل شهر كتاب الله عزوجل، أما الحفاظ لهم ترتيب أكثر، اتفقنا على أن يكون لنا ورداً من لا إله إلا الله..

ترقي المريد في الصلاة على النبي


يضاف إلى ذلك أننا بحاجة إلى ورد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم، النبي بحاجة إلى صلاتنا عليه؟! قطعاً لا، قد صلى عليه رب العزة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، سبحان الله جعل الله الأمر بالصلاة على النبي بعد الإخبار بأنه هو قد صلى عليه وأن الملائكة يصلون عليه، قالوا من الحِكمة في ذلك: أن لا يتوهم أحد منا بأن النبي بحاجة إلى صلاتنا عليه، لو جاء الأمر مباشرة: يا أيها الذين آمنوا صلوا على النبي، لو جاءت الآية هكذا لتوهم البعض أن: هيا همتكم شيلوا مع النبي لا، جاء الإخبار أولاً أن الله قد صلى عليه، أغناه عن صلاتنا عليه لكن إن كنت تريد أن ترتقي أنت ادخل في هذه البركة اشتغل بعمل قد نسبه الله إلى نفسه وعطف عليه ملائكته فيه، والصلاة من الله الرحمة المقترنة بالتعظيم وهي من الملائكة الاستغفار ومن الآدميين التضرع والدعاء، تأمل لما جاء الأمر بالصلاة على النبي ذهب الصحابة إلى النبي وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك، قال: “قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد“، تأملوا قال قولوا اللهم صلي، نحن هنا صلينا عليه أم طلبنا من الله أن يصلي عليه، فصلاتك عليه أن تطلب من الله أن يصلي عليه أما حقيقة الصلاة عليه لا يقوم بها إلا رب العزة سبحانه وتعالى، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، الصلاة على النبي فيها تفريج للكروب، فيها قضاء للحوائج والديون، أحاديث وردت بذلك..
الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي، قال: ما شئت، قلت الربع؟ قال ما شئت، فإن زدت فهو خير قلت فالنصف؟ قال ما شئت فإن زدت فهو خير قلت فالثلثين؟ قال ما شئت، فإن زدت فهو خير قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك“، يعني أنت المستفيد لا تتوهم أني محتاج إلى صلاتك علي، إذاً هذه فائدة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ..

فائدة أعظم من ذلك كله من تفريج الهم وقضاء الدين، نحن نسمع عن الحديث الصحيح الذي قال فيه النبي “من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً“، ما معنى صلاة الله علينا؟ قلنا هي رحمة مقرونة بالتعظيم، لكن اسمع نص على مفهوم الصلاة من الله على العباد.. قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) إذن إذا صلى الله عليكم، ما الثمرة؟ ماهي علة صلاة الله علينا؟ ليخرجكم من الظلمات إلى النور، فثمرة صلاة الله علينا أن نخرج من الظلمات إلى النور، ونحن إن صلينا على سيدنا محمد صلى الله علينا عشرا أي أخرجنا من الظلمات إلى النور عشراً، وإن صلينا عليه عشرا خرجنا من الظلمات إلى النور مائة، وإن صلينا عليه مئة خرجنا من الظلمات إلى النور ألفاً، مَن هذا الذي يفرط في الصلاة على النبي إذاً؟

معنى أرقى، الخروج من الظلمات إلى النور هذا معنى راقي كبير لكن اسمع هل يستحق النبي أن تصلي عليه ولو لم يكن من صلاتك عليه فائدة أم ما يستحق؟ هل أحسن إليك؟ هل له حق عليك؟ هل تفضل عليك؟ إيه، والله ما أحسن إلينا أحد في الوجود من الخلق كإحسان سيدنا محمد أبدا، أخرجنا الله به أصلا من الظلمات إلى النور، من الشرك إلى التوحيد، من الغفلة إلى الحضور، من الإعراض إلى الإقبال، من النار إلى الجنة، لا يوجد في الخلق من هو أمن علينا من سيدنا محمد، لو لم يكن في الصلاة على النبي وعود عظيمة كالتي ذكرناها، يكفي إن صدقت في حبك لرسول الله أن تمضي وقتك في الصلاة عليه، فكيف وقد وعِدت بالمكافئة، إذاً ورد من الصلاة على النبي.

الحضور في الذكر


الآن نريد أن نتحدث في مجلسنا هذا بما يفتحه الله عزوجل عن معنى الحضور بالذِكر، عندما تجلس وتذكر وتقول (لا إله إلا الله) كيف يحضر قلبك مع الله؟ الكثير يشتكون أنا نحاول المواظبة على الذكر وقد نواظب ولكن نواظب بألسنتنا وهناك صعوبة في أن تستمرقلوبنا حاضرة مع الله عند الذكر، نقول ارجع للكلام الذي كان قبل مجالس، الفريضة الفريضة، حقق الفريضة تـُعان على غيرها، لكن أيضاً.. الحضور مع الله عزوجل في الذكر مراتب وليس مرتبة واحدة، وهناك درجات لترتقي إلى مرتبة الحضور ..

1. تفعل شيئاً يخرجك عما يحيط بك :


أول درجة لترتقي إلى مرتبة الحضور -لا يعد هذا من الحضور لكن يعين على الحضور- أن تفعل شيئاً يخرجك عما يحيط بك، ما الذي يشتت حضورك مع الله في الذكر؟ انشغالك بما يحيط بك، أخذت المصحف وشرعت في التلاوة، أخذت المسبحة وشرعت في الذكر، وأثناء الذكر جاءك خاطر.. الدكان، الصاحب، المدرسة، الجامعة، الهم، الرزق، الأمور كلها تأتي!! لماذا؟ لأنها لحظة فيها شيء من السكون، عند الذكر تبدأ تسكن وعندما يسكن الإنسان تحرك ما كان شاغلاً في باله فيبدأهو يزعجك، يأتي العلم كله إليك في وقت الذكر، نعم.. فأول خطوة حاول أن تخرج عن هذا العالم إلى ما أنت فيه، يقول الإمام الحداد المجدد رحمه الله تعالى: أنك في البداية لتدرب نفسك على الحضور استحضر أو تخيل أمامك حروف الذكر التي تذكر الله بها، عندما تقول لا إله إلا الله أستحضر (ل ا- إ ل ه – أ ل ا – ا ل ل ه)، ارسم الحرف أمامك وأنت تذكر، قال هذه نقلة تخرج بها أول من انشغالك بالأشياء الأخرى إلى تركيز بشيء له علاقة بالذكر.

2. التفكير في معنى الذكر :


إبدأ فكر بما معنى لا إله إلا الله، عندما كنا ندرس في الإبتدائي.. أيام كانت المناهج تهتم بالدين، هل لازالت على هذا النحو أم تغيرت الكثير من المناهج في دول العالم الإسلامي.. تعلمنا أن كلمة لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق في الوجود إلا الله، فإذا استشعرت لا معبود بحق في الوجود إلا الله، في كل مرة لسانك يقول لا إله إلا الله وقلبك يقول لامعبود بحق في الوجود إلا الله بدأت ترتقي إلى شيء من معاني لا إله إلا الله فكرت في المعنى.

عندما تقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، في البخاري كما جاء في أول المجالس، “من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” مهما كانت الذنوب، شخص قال: أعمل ذنوب التي أريدها وبعدين أقول (سبحان الله وبحمده) قلنا له الحق لا يـُضحك عليه حاشاه، الذي تكون هذه نيته أتحداه أنه لا يستطيع المواظبة على (سبحان الله وبحمده) مائة مرة كل يوم، سامحوني في لفظة أتحداه لكن لا يستطيع الذي يستطيع أن يواظب عليها هو الذي نوى أن يستغفر ويتوب هذا الذي يكرم بالمواظبة لأن هناك وعد على أن المواظب عليها تغفر ذنوبه مهما كانت كثرتها، عندما تقول (سبحان الله وبحمده) تستحضر الحروف في البداية حتى يبدأ قلبك ينخلع عن كل المشاغل الأخرى وأمامه الحروف، الآن انتقل إلى المعنى ما معنى تسبيح التنزيه؟ أي جلّ الله، تعالى الله عن كل ما يخطر في البال عن كل ما تتصوره الأوهام عن كل ما يدور في عقولنا كل ماخطر في بالك فالله بخلاف ذلك، الله فوق كل شيء، ليس المقصود بالفوق الفوقية الحسية لأن هذه نسبية، فوق الشام يعتبر تحت البلد الذي يقابل الشام من الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، الكلام هنا عن الفوقية الحقيقية وليست الفوقية الحسية.. حقيقة الفوقية، أعلى من كل شيء في هذا الوجود سبحانه وتعال عزوجل، تقول سبحان الله تنزه الله عن الشريك، تنزه الله عن الشبيه تنزه الله حتى عن معرفتك أنت به، هو فوق معرفتك به سبحانه وتعالى.. تستحضر المعنى.

تقول الله أكبر قبل مجالس تكلمنا، الله أكبر من كل ما خطر في بالك وهكذا بقية الأذكار، قلت استغفر الله، ما معنى كلمة استغفر الله؟ يعني اغفر لي، سامحني، يعني اعتذار، طلب مسامحة من الله، طلب مغفرة، هل يتأتى أن تكون مخطىء في حق مخلوق ثم تأتي وتعطيه ظهرك وتقول سامحني، سامحني هل يقبل الاعتذار؟ يقول لك لو لم تعتذر لكان الأمر أخف الآن أجد عليك أكثر مما قبل الاعتذار، لأن الاعتذار كان فيه ماذا؟ فيه استخفاف، وكذلك الاستغفار ما ينبغي أن يكون مع خلو القلب عن شهود معنيين: معنى التقصير ومعنى طلب المغفرة أخطأت قصرت سامحني، هذا معنى الاستغفار، ولهذا قالت السيدة رابعة العدوية: (استغفارنا يحتاج أويفتقر إلى استغفار).

3. استشعار عظمة المذكور :


هذه أعلى في الحضور في البداية حضرت مع الحرف ثم حضرت مع المعنى، ثم في الدرجة الثالثة؟ ارتقيت من الحرف إلى المعنى إلى المذكور حضرت مع معنى أنك الآن تذكر الله أي أنك جليس الله “أنا جليس من ذكرني” معنى هذا أنك مذكور الآن في حضرة الله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) ما معنى أنك ذكرت الله عز وجل؟ أي: أن الله يذكرك، تعرف معنى أن الله يذكرك؟ تعرف ما معنى أني المسكين، الحقير، الضعيف، المذنب، المسيء الملطخ، فقط إذا تنبهت وخرجت من غفلتي وجلست أذكره (لا إله إلا الله) فإذا به يذكرني هو في عليائه سبحانه وتعالى: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم” مُتَّفَقٌ عَلَيه، استشعرت هذا المعنى؟ تعرف مامعنى أن الله يذكرك؟ هنا يأتي الحضور مع الله في الذكر، هذه ثلاث مراحل نتكلم عنها في الحضور أولها: مع الحرف وثانيها مع المعنى وثالثها مع المذكور سبحانه وتعالى..

إذا وصلت إلى الحضور مع المذكور، تستشعر أنك الآن معه في حضرته بين يديه أنه يذكرك، ابتدأت في حقيقة الحضور بالذكر، ما قبله فهو مقدمات، لماذا؟ قالوا لأن الذي يعيش هذا الحضور مع المذكور أثناء الذكر يبدأ قلبه يتلقى عن المذكور، يفيض عليه الله عز وجل هنا ابتدأنا الكلام عن عمق معانى السير إلى الله، المريد هو الذي يتلقى قلبه واردات الذكر السائر إلى الله إذا أدمن الذكر، انظر تعبير (أدمن) انظر كيف يرتقي التعبير، كلمة إدمان مستهلكة في أشياء أخرى لكن انظر كيف ترتقي الآن (أدمن الذكر) مع تكلف الحضور، مجاهدة النفس، كلما جاءته خواطر دفعها فحضر مع الحرف ثم مع المعنى ثم مع المذكور سبحانه.

حضرات الملوك


يا إخوان الذي يجلس في حضرات الملوك يخرج وهو خالي الوثاق؟ ما عنده شيء؟ الذي يجلس ثلاثين مرة أربعين مرة مع ملك وهذا الملك كريم رحيم عنده مروءة يجعلك تخرج هكذا فاضي يا الله، ملوك الدنيا يعطون من يجالسهم، تسمع واحد أعطي أرض حجمها كذا وكذا لأن صديقه المسؤول الفلاني جلس عنده، ملك الملوك المطلق في عطائه أكرم الأكرمين خالق السخاء أرحم الراحمين سبحانه وتعالى اللطيف بعباده من أدمن مجالسته لأنه صار صاحب حضور مع الذكر، لا إله إلا الله أستشعر أني مع الله صرت مع الله ربع ساعة، صرت مع الله نصف ساعة، صرت مع الله ساعة، صرت مع الله، صرت مع الله، صرت مع الله، كم تجالسه وتعود فاضي؟

حاشا الكريم يردهم عطشى وقد ** وردوا وأصل الجود من ذا المنبع ِ
وردوا على نهر الحياة وكلهم ** شربوا وكم في الركب من متضلع ِ
يا رب لي ظن جميل وافرٌ ** قدمته أمشي به يسعى معي
كل الذين يرجون فضلك أمطروا ** حاشاك أن يبقى هشيماً موضعي

فإذا أدمنا الحضور مع المذكور، صرت الآن مع المذكور من الحرف إلى المعنى إلى المذكور، لا بد يعطيك شيء المذكور، وإذا تكلمنا عن عطاء من يأتي لحضرة الله فأنت تتكلم عن عطاء لا يكيف، تتكلم عن عطاء لا يحصر من أعظم مقدمات هذا العطاء أن يأخذك عن نفسك إليه الذي يعيش نور الذكر، مامعنى نور الذكر؟ العطاء الذي يأتي من الله للذاكر، (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ) قال ابن عباس مثل نوره في قلب المؤمن، فقلبك خلقه الله ليتنزل عليه نور الله ما معنى نور الله؟ الفيض الذي يفيضه الله على الذاكر، عطاء يأتي من الله إلى الذاكر، إذا بدأ هذا النور يدخل إلى قلبك وأنت في الذكر ابتدأ القلب يتطهر طهارة حقيقية، قد تكلمنا في مجالس ماضية عن مقدمات الطهارة اتركوا الحسد اتركوا كذا، الذكر يعينك على ذلك، بل الذكر يغسل القلب غسلاً لأن القلب تصُب عليه أنوار المذكور سبحانه فإذا امتلأ القلب بنور الله هل يبقى في القلب مجال لأن يبغض؟، قلب تنور بنور الله يعرف يحسد؟، يعرف يحقد؟، يكره؟، يؤذي؟، يسئ؟ هذا قلب فيه نور الله عز وجل، بغير حلول ولا اتحاد، تعالى الله عن لك..

اللسان هنا يا إخواني يعجز عن التعبير، ولكن قوموا أمامكم هذا الميدان واذكروه بشيء من هذه المعاني ويفتح الله عليكم وانظروا ما ينازل قلوبكم؟ إن الذي ينازل قلوبكم أن يأخذكم الله يفني صفاتكم التي لا يحبها، يخليكم عن الصفات التي لايرتضيها، يحليكم بالصفات التي يحبها عز وجل، يتجلى عليكم، هذا عماد السير إلى الله الذكر سلطان القربات، الذكر رأس مال المريد في سيره إلى الله، الذكر وقود السير إلى الله سبحانه، الذكر روح السير إلى الله تعالى فإذا عمدت إلى هذا الذكر ابتدأت تدخل طوراً من الحضور مع الله عز وجل تنسى فيه نفسك لمَ؟ لأنك تذكر من تحب ومن تحب يذكرك، بقي هناك انشغال بالناس؟ لا!! الناس نسيناهم من زمان لم يبقى هناك انشغال بالخلق ولا بالسماء ولا بالأرض ولا بالملك ولا بالملكوت حتى.. أصبح الانشغال بالله وحده لكن بقيت النفس، الآن النفس تذوب أمام ذكر الله فيبدأ الفناء عن النفس.

مامعنى الفناء عن النفس؟


أن يأخذك الله عن الانشغال بحظ نفسك، ما تريد نفسك، ما تطلبه، فتصبح تشهد نور الله لا نور نفسك، تشهد أنك مع الله لامع ظلمة نفسك، أنك مع الله لا مع نفسك، يأخذك الله عنك، شباب أعرف أن هذا الكلام مع جماله واستئناس أرواحكم به بدأ قليلاً يأخذ طور الصعوبة، لكن اسمع، ولله المثل الأعلى، سامحونا سننزل إلى الأرض مرة أخرى، إذا رأيتم شخص يجلس أمام مباراة كرة، والمباراة محتدمة، والوقت في نهايته وهو مهتم بفريقه، هل يشعر بالذين حوله؟ لايشعر بهم لوكلمه أحد قد لا يسمعه، يناديه فلان لايجيب، فلان لا يجيب، فلاااااان، فيقول نعم، فيقول له صاحبه كم مرة ناديتك وأنت لا تجيب، فيقول والله ما سمعتك، صدق أم كذب؟ صدق، هو صادق ما سمعك، هل تعطلت حاسة السمع؟ لا هو يستمع وكان يرى ما تعطلت لكن لما اجتمع قلبه على شيء قد انشغل به وأحبه وامتلأ اهتماماً واعتناء به، عطله و أفناه عما سواه، هذا في مباراة، لعب، مع احترامي للرياضة وأهلها لكن لعب في النهاية، فإذا قابلت رباً وجالست الله وجمعت قلبك عليه تجلى لك بأنوار يفيضها على قلبك، هل يمكن أن تشعر بشيء؟

* قصة :  هذا يفسر كيف أن بعض السلف أصابه جرح في ظهره كاد أن يودي بحياته واشتد ألمه الإمام أبو بكر السكران، تعرفون لماذا لقب بالسكران؟ قط ما شرب الخمر، بل لم يرى الخمر في حياته لكن لقب بالسكران لأنه كان يغيب في الذكر ما يشعر بشيء مما حوله، أصبه ورم في ظهره بسبب الجرح تقيح وتضخم صار يؤلمه للغاية فجاء الطبيب وقال يجب أن نستأصله، قال إني قد كبر سني وضعف بدني، قال له نعطيك أعشاب تخدر، قال لا ما أحب أن يضيع وقتي عن ذكر الله (هؤلاء في حال آخر مع الله) ولكن إن كان ولا بد إذا قمت إلى صلاة الضحى فافعل ما بدا لك، وكان من عادته أن يطيل صلاة الضحى، أنا سأرخي الرداء وأدخل في صلاة الضحى، قال له الطبيب: كيف!! وأنت واقف ومن غير تخدير؟ قال: نعم، فجاء الطبيب يقطع الجرح ويبتره، لو عندك جراحة صغيرة وتقيحت لا تريد أحد أن يلمسها، هذا جراحة كبيرة استأصلها وفصدها وأخرج الدم ووضع الأعشاب وربطها والرجل واقف لم يتحرك، بعد أن انتهى من الصلاة الإمام أبو بكر التفت وقال ياولدي ألم أقل لك أن تزيل الجراحة إذا دخلت في الصلاة قال يا سيدي انتهينا من الجراحة وقطعناها ولففناها قال سبحان الله وأنافي الصلاة، لكن الآن أشعر بحكة في ظهري، خرج من الصلاة وشعر بالحكة وهو في الصلاة لم يشعر بالقطع، لأنه مع الله ولهذا ابحث عن معنى الحضور في الذكر..

والله الذي ينقضي عمره دون أن يذوق لذة الحضور مع الله في الذكر فاته العمر كله ما أدرك شيء، لتستعين بالله فيما تشتاق إليه من الحضور مع الله في الذكر، اجعل لك أوقات ذكر في خلوة، جالس فيها وحدك مع الله واجعل لك أوقات تذكر الله فيها مع إخوانك، اجتمعوا واذكروا الله معاً لا إله إلا الله، هذا يعين، إذا بدأ قلبك ينشغل بالذكر الذي يحيط بك من كل مكان بأصوات إخوانك يعينك على الحضور مع الله سبحانه وتعالى، فاذكر الله في نفسك واذكر الله في الملأ كما جاء في الحيث القدسي الصحيح، اجعل لك وقتاً ولو مرة في الأسبوع مجلس ذكر مع أحبابك وإخوانك ما وجدت في بلدتك أنت وزوجتك وأولادك أنت وإخوانك في بيتك الذي أنت فيه أنت وأصدقاؤك اجعل لك أصدقاء على مائدة الذكر تجتمع أنت وإياهم على ذكر الله سبحانه فإن ذلك يعين على الحضور..

ننصرف من هذا المجلس


بأن تجعل لك ذكر جهراً واجعل لك ذكر على وصف السر.. أنت تحتاج الى هذا وهذا، ذكر السر يعين على الإخلاص وذكر الجهر يعينك على أن تنشغل بصوتك في الذكر عن غيرك ويعينك على الحضور ولهذا جاء في الأثر الصحيح في الحديث عن ابن عباس قال كنا على عهد النبي نعرف بانتهاء الصلاة من ارتفاع أصواتهم بالذكر، يعني إذا تأخر أحدنا عن الصلاة يعلم أن الصلاة قد فاتته قبل أن يدخل المسجد عند باب المسجد إذا اقتربنا من أصوات الناس وهم يذكرون الله بعد الصلاة لكن هذه السنة أضعفت في كثير من البلدان لا تقيموا الإشكالات والصراعات من أجل إحيائها، الوئام فرض والجهر سنة لكن احرصوا على أن يكون في كل بلد مساجد تضج بذكر الله سبحانه وتعالى بعد الصلوات هذه الأوراد ا لتي بعد الصلاة، نحتاج إلى الجهر ونحتاج إلى السر، نحتاج إلى الفرد في الخلوة يذكر الله وحده ونحتاج إلى الذكر الجماعي، وفي النهاية نحتاج إلى تحقيق الصلة بالمذكور رزقنا الله عز وجل كمال ذلك ومن وراء الفناء بالمذكور البقاء بالمذكور لتعود للعالم مرة أخرى لكن لا منشغلا بالعالم وما يحيط بك بل تعود للعالم وقد جئتهم من عند الله من حضورك مع الله لتقبل عليهم بالله سبحانه .

ولنا حديث في المجلس القادم حول ثمرة الذكر وهي الفكر وثمرة الذكر والفكر هي أن نسير بين الناس بنور الذكر والفكر فنصبح مع الله ونحن بين خلقه أجسادنا مع الخلق وأرواحنا مع الخالق وهنا يتهيأ المريد لشيء من التمكين في سيره إلى الله تعالى فبدون أن تكون حاضر القلب مع الله وأنت في السوق، وأنت في العمل، وأنت في الدراسة لايمكن أن تكون متمكناً من سيرك إلى الله، نسأل الله أن يحققنا ويمكننا من حقائق الذكر،  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger