الرئيسية » » باب الإيمان من كتاب التبصرة لأبي محمد الجويني

باب الإيمان من كتاب التبصرة لأبي محمد الجويني

 
باب الإيمان
من كتاب التبصرة
لأبي محمد الجويني رحمه الله تعالى:

اعلم أن المؤمن إذا اعتقد ما يجب اعتقاده في أصل إيمانه فمن الخذلان أن يستسلم بعد ذلك لوسواس الشيطان فيعطيه زمام قلبه ليتصرف فيه كيف شاء، والشرائط التي إذا اعتقدها كان ما وراءها من الوسوسة أن يعتقد حدث العالم، وقدم محدثه وأنه ليس كمثله شيء من المخلوقات وتحقيقه أنه لا يُتصوّر في الوهم وما دونه يقبل هذه الصفة والنهاية منفية عنه، وليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وانتفت عنه الكيفية والكمية، والأينية واللمّية وأنه حي قادر عالم مريد بصير متكلم له حياة وقدرة وعلم وإرادة وسمع وبصر وكلام لم يزل ولا يزال بهذه الصفات لا يشبه شيء منها شيئا من المخلوقات وليست هي هو ولا هو غيره ولا تجاوزه ولا تخالفه ولا توافقه ولا تحلّه بل هي صفات له تقوم به وإن قدرته تعمّ المقدورات وعلمه يعمّ المعلومات، وإرادته تعم الإرادات، لا يكون إلا ما يريد ولا يريد ما لا يكون. ثم الاعتقاد بأنه لا إله إلا هو وأنه شيء واحد وهو معنى الأحد الصمد لا يجوز عليه شيء مما يجوز على المحدثات، ولا يصح عليه العدم، وأنه قائم بنفسه مستغن عن مكان يقلّه وعن جسم يحلّه÷ ليس له تحت فيكون تحته ما يسنده ولا فوق فيكون فوقه ما يمسكه، ولا جانب يعضده أو يزاحمه.
ثم الاعتقاد بجواز الرؤية مع نفي الأوصاف المحدثة عنه.
ثم الاعتقاد باستحالة الولد والزوجة والشريك
ثم الاعتقاد بأنه قادر على إماتة كل حي سواه ويجوز منه إفناء كل شيء غيره وإعادة الأجسام وأمثالها من غير نهاية إن شاء إذا شاء ما شاء.
ثم الاعتقاد بأنه قادر على كل شيء يُتوهّم حدوثه على الانفراد ومن جملة ذلك القدرة على بعثة الرسل وتنزيل الكتب، وبيان الحجج ونشر الخلق والثواب العقاب، لا اعتراض عليه في فعله ولا حجز عليه في مقدوره ولا يستحق عليه شيء ولا يلزمه فعل.
وأن أدلة صدق الرسل المعجزات، ولا يجوز إظهارها على الكذابين.
ثم الاعتقاد بأن لا واجب على الخلق قبل مجيء الرسل ومن فعل شيئا قبله لم يقطع له بثواب ولا عقاب.
ثم الاعتقاد بأنه بعث الرسل وأنزل الكتب وأمر ونهى ووعد وأوعد وأمر الرسل حق وخبرهم صدق ولا تجوز مخالفتهم.
ثم الاعتقاد بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول رب العزة معجزته القرآن، ودينه الإسلام وأخبرنا بالحشر والنشر وعذاب القبر وثواب أهل الطاعة وعذاب أهل المعصية وأن من مات على الإيمان عاقبته الجنة.
ثم الاعتقاد بأن الإجماع حق وأن العبادات الخمس أصول الإسلام: الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج.
ثم الاعتقاد بأن ما أشكل عليه من أمر دينه لزم الرجوع إلى أعلم من عنده وأورعهم في يفعله إذا بلغ درجة الإجتهاد والعمل بما يفتيه به.
ثم اٌلإقرار بجميع ذلك نطقا مع الإمكان، ومعنى قولنا الإمكان، أنه ربما يكره على كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يضر ذلك إيمانه شيئا.قال تعالى {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}
فإن استمرت العقيدة على هذه الشرائط واستقرت عليها بحيث لا يتشكك بالتشكك، ولا يرتاب بجدال أهل الإلحاد، فقد سبق إليه الإيمان بحذافيره. فإن اعترض له الشيطان في توسوسه في الصانع فليستعذ بالله منه، وفي مأثور الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يقول للإنسان: هذا ربكم خلق الأشياء فمن خلق الله عز وجل، وربما يتلو آية أو يقرع سمعك خبرا فيستولي على خاطرك عدوك كمثل آيات الصفات والاستواء على العرش واليد والنفس والعين وحديث النزول وما أشبه ذلك فمتى أشكل عليك لفظ شرعي في صفات الذات فاصرف ذلك اللفظ إلى صفات الفعل مثاله قوله تعالى: { وهو معكم أينما كنتم} وقوله { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وقوله { وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} يحتمل والله أعلم من حيث العلم لا من حيث الذات ومن أثبت له مكانا مخصوصا أو جعل العرش له قرارا قيل له: كيف يكون العرش له قرارا من حيث المكان وهو على العرش يعلم ما على الأرض {أينما كنتم} و {أقرب إليكم من حبل الوريد} فإن استعمل بأن يحمل قوله { وهو معكم أينما كنتم} على صفات الفعل فكذلك يلزمه أن يحمل الاستواء والنزول على صفات الفعل. وإن اختيار الإعراض عن تأويل قوله تعالى: {وهو معكم} فليُعرض عن تأويل الاستواء على العرش وحديث النزول ونظائرهما فإن من السلف الصالحين من اختار في هذه الظواهر ترك الكلام عليه مع الإيمان بها وذلك طريقة حسنة قال الله تعالى { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما اللذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به } فمن رأى ترك التأويل وقف على قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } ومن استخار التـاويل أدرج، والوقف أحسن لآن قوله تعالى { والراسخون في العلم } كلام تعقبه خبره وهو قوله { يقولون آمنا به } فإن قيل: إذا كان في القرآن ما لا نفهمه فلا نأمن أن يكون في ضمن ما لم نفهمه حكم عطّلناه أو معنى يُضاد ما اعتقدناه فيما فهمناه، قلنا: أما المضادّة فغير موهومة، لأن ذلك تناقض في خطاب القديم سبحانه وتعالى، وأما تعطيل الحكم فمستحيل أيضا لأن الله تعالى أرسل رسوله وكلّفه أن يبي للناس ما نزّل إليهم فيستيقن أنه ما غادر بيانا نفتقر إلى ذكره صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger