الرئيسية » » الدرس التاسع – الكبر

الدرس التاسع – الكبر



الحمد لله حمد مفتقر إلى فضله وإحسانه وجوده وامتنانه، وصلى الله وسلم وبارك على إمام أهل الافتقار والانكسار والتواضع والاضطرار سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد:
لعلك أخي قد راجعت نفسك بعد المجلس الذي مضى وأقمت على خواطرك ميزان المراقبة لله عز وجل وصححت وجهتك في ذلك، هل ميزت بين خواطر خير وخواطر شر كانت ترد على قلبك من المجلس الماضي إلى الآن؟ مما سر بالقلب عند الانصراف من صلاة العشاء قبل قليل من الجامع، أن أحد الأخوان أثناء السير جاء يسأل:
* استمع للحلقة التاسعة وأنت تتصفح :
كنت أصلي فخطر في قلبي خاطر أن أخفف صلاة الركعتين لأنوي أربع ركعات حتى تكون أفضل وأكثر، فمن أي أنواع الخواطر هذه؟ سررت أن من انصرف من مجلس الكلام عن الخواطر ذهب وبدأ يطبق ذلك في حياته، فقلت له أنت الآن في الصلاة والصلاة المطلوب الحضور فيها مع الله وقد عزمت.. قد نويت عند الدخول للصلاة أن تصلي ركعتين فانظر حالك الآن مع الركعتين .. فكل خاطر يأتي ليصرفك عن الحضور مع الله في الركعتين لاشك أنه من خواطر الشر، وكونه جاءك مرة بصرفها إلى أربع ركعات ومرة بصرفها للتكثير بالصدقة كما أخبرني إن لم تخني الذاكرة فمعنى هذا أنها من أين جاءت؟ من الشيطان، لماذا؟ لأنه نوع من أنواع الخواطر همه أن تخرج عن حضورك مع الله عز وجل في حال صلاتك، لهذا إذا دخل أحدنا إلى ميدان عبادة ينبغي أن يحكم حاله في العبادة وسيأتي بإذن الله الحديث عن الحضور مع الله في العبادات.

من منافذ القلب، إلى القلب نفسه ..

في مجلسنا هذا نود أن نتذاكر معا بعد أن مرت علينا أربع مجالس نتكلم فيها عن إحكام مداخل القلب، لو تذكرتم قبل مجالس أربعة كان مدخل السمع والبصر والفم والعين والأذن والفم وكيف تحكم حتى لا تكون مدخل للسوء للشر على القلب يتلوث، ثم الخواطر وكون هذه الخواطر مداخل.
بقي الإقبال على القلب أنت الآن أقمت ميزان تضبط به مايدخل على قلبك … بصرك وسمعك ولسانك وما يدخل على جوفك أنه من حلال، وضبطت الخواطر، ميزت بين خاطر الخير وخاطر الشر، وبدأت تروض نفسك وبدأت تدربها التعامل مع الخواطر، وأدركت المداخل السبعة للشيطان والتجأت إلى الله في سدها بقي القلب، الآن المنافذ أغلقت، من أقمت المصافي التي تصفي هذه المنافذ فلا يدخل في القلب سوء، لكن القلب نفسه إن أغلقنا منافذ السوء هل بقي فيه شيء من السوء أو لا؟
هذا حديثنا في المجالس التي تقبل علينا الآن، إذا أغلقت مداخل السوء على قلبك سينبغي أن تبدأ بالتنقية بالتطهير وبتخليص القلب مما علق به، مما تعلق به من السوء فيما مضى من الأيام، قبل أن تحرس عينك وأذنك ولسانك، قبل أن تضبط الخواطر، كانت أشياء خلصت ونفذت إلى قلبك .. تسللت القلب ومنها ما استقر في القلب.
والقلب في أول خلقه يُخلق على فطرة نقية .. الله سبحانه وتعالى يخلق الإنسان على أحسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)، وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه“، إذا الأصل في الإنسان النقاء الطهارة، ليس من الصواب أن نعتقد أن الأصل في الإنسان الخطيئة فيحتاج إلى تطهير، لا!! فضل الله اقتضى أن الأصل في الإنسان الطهارة لكن اغفال الحفاظ على القلب يجعل القلب يتلوث .
والثوب الأبيض النقي إذا هب عليه الغبار والوسخ سارع إلى أن يلصق به هذا الوسخ فيحتاج إلى جهد حتى يتنظف، وكذلكم القلب.. القلب نقي أبيض فإذا تعرض لواردات السوء، إذا تعرض إلى القاذورات علقت هذه في القلب، فيحتاج إلى غسيل يحتاج إلى تطهير يحتاج إلى تنظيف يحتاج إلى معالجة ، فإذا أغلقت منافذ الشر على قلبك فأقبل على قلبك بتطهيره ونقِّ قلبك من الميل إلى محبة شهوات الدنيا، خاطب قلبك الحلال من شهوات الدنيا نأخذه لابأس، المتيسر لنا به نأخذ به بما يسر الله لنا وأباحه لنا..

القلب والدنيا

القلب لم يخلق لكي يلتذ بالدنيا، نعم الطعام التذ به بفمك، الشراب نعم التذ به بفمك، نعم المنظر الحسن الذي التذ به بعينك، الأشياء التي أباح الله لك بها التذ بها بنفسك وأعضائها المتعلقة بها، معاني التذ بها لكن أمور الدنيا، لا ينبغي للقلب أن يكون متعلق بشهوتها، حب الدنيا رأس كل خطيئة، أقبل على قلبك بمعالجة هذه المشكلة ولمعالجة هذه المشكلة تحتاج إلى: تفكيك هذه المشكلة، وهي الوقوف على معاصي القلب كيف نطهر قلوبنا من معاصيه الأصل، القبة.. السقف لكل معاصي القلوب محبة الدنيا لكن هذه تحتوي على عناصر من هذه العناصر: الحسد من هذه العناصر الكبر من هذه العناصر الرياء، تحتاج لتتعامل مع كل عنصر من هذه العناصر لتخليص القلب منه فتخلص من ظلمة محبة الدنيا، أيضا أقبل على قلبك من تنقيته من سوء الظن بالناس أو احتقار الناس أو الترفع عليهم املأ قلبك محبة للناس محبة خير للناس، رحمة بالناس “الراحمون يرحمهم الرحمن سبحانه وتعالى ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء” العلماء يسمون هذا الحديث الحديث المسلسل بالاولية، مامعنى مسلسل بالأولية؟ كل شيء يبدأ يقول حدثني شيخي فلان وكان أول ما سمعت منه هذا الحديث، لماذا جعله أول مايُسمع:”الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” قالوا: لأن في ابتداء سماع العلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحديث الرحمة بداية تهيء لطالب العلم، بداية صحيحة في فهم معنى كيف يتعامل مع العلم، كي يزداد مع العلم رحمة بالخلق فيزداد قرباً من الخالق جل جلاله، فإذا جئنا إلى أحد أمراض القلوب سنجد أن أخطر وأعمق وأدق وأشد وأصعب أمراض ومعاصي القلب ثلاثة، هذه المعاصي الثلاثة معاصي قلبيه، ومكانها القلب تترجم بعد ذلك بالتصرفات بأفعال بأقوال، ممكن!! لكن أصل المشكلة أين؟؟ في القلب ..

الكبر

في القلب ..
أول هذه المعاصي الكبر والعياذ بالله من ذلك، مرض الكبر أصله مرض دقيق اسمه العُجب مامعنى العُجب؟ شهود ونسبة الفضل إلى النفس لا إلى توفيق الله..
نجحت في عمل من أعمالك تقول هذا بذكائي هذا تخطيطي هذا بعملي، يا أخي أناس لهم تخطيط وعمل وإتقان أكثر مما عملت فلم ينجحوا فما الفارق بينكما؟! قال: ربما الظروف!! من الذي يجري الظروف؟ تدبير الله سبحانه وتعالى، إذا وجد الإنسان في نفسه مكنة في حفظ آيات من كتاب الله وكلامه صلى الله عليه وآله وسلم، من أين جاء ذلك؟ قال: سعيت وتعبت وذهبت إلى المشايخ، صحيح!! لكن من وفقك إلى ذلك؟ الله.. إذا استطعت أن تجمع شيء من المال وتنفقه في أعمال الخير من بر من صدقة من معروف نعم أنت الذي بذلت ذلك لكن من الذي ألهمك فعل ذلك؟ الله فنسبة شهود الفضل إلى النفس أو إرجاع الفضل إلى الله اسمه العُجب، إعجاب الإنسان بنفسه، العُجب هو أصل مادة الكبر في نفس الإنسان فإذا وقر في نفس الإنسان معنى العُجب بدأ الكبر، بدأت شجرة الكبر تنبت في قلب الإنسان..

الكبر له وجهان

وجه إلى الباطن ووجه إلى الظاهر، الوجه الذي للباطن: شهود الفضل للنفس على الغير، مامعنى هذا الكلام؟ أرى لنفسي فضلا على غيري أني افضل من غيري، أنا خير منه!! إبليس قالها (أنا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلقتني مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) من الذي أضاع إبليس الأنا.. قولك أنا خير منه، أي أنه رأى لنفسه الفضل، مالذي أثمره رؤية الفضل للنفس على الغير؟ أثمر شعور بالترفع على الغير، أثمر الشعور في أوله إحساس في داخل القلب لكن يتحول بعد ذلك إلى ماذا؟ إلى سلوك ..

مراحل الكبر

1. حال في القلب :

يبدأ الكبر في داخل نفس الإنسان يعُجب بذاته ينسب التميز أو الميزة التي عنده إلى نفسه وليس إلى الله، ثم بعد ذلك يقارن بين ماعنده وأحوال الآخرين فيرى في نفسه الرفعة على الآخرين، وقع في الشبك مادام لم ينسبه إلى فضل الله، سيقارن: أانا صرت كذا وهو.. هم.. أقل مني، ينظر إلى الآخرين أنه أفضل منهم، هذه كلها لاتزال في حدود القلب، خواطر في داخل القلب مالذي يثمره ذلك!!؟

2. سلوك ” تصرفات” :

مثل ماذا؟ يمر على أناس فلا يسلم عليهم ينتظر يسلموا عليه أولا، هذا أصبح سلوكا ينظر إلى الآخرين بعين الازدراء والانتقاص هذا أصبح ماذا؟ سلوكا.. يتعامل مع الناس بجفوة هذا أصبح سلوكا، يرفض قبول الحق من الآخرين إذا نصحوه، هذا أصبح سلوكا.. مالذي يثمره هذا السلوك بعد ذلك؟ أقوالا، إبليس كان في الحقيقة عابدا في البداية وهو من الذين أكثروا من صور العبادات حتى قال بعضهم: لاتكاد يوجد في الأرض شبر إلا وتوجد لإبليس سجدة فيه سجدها لله تعالى، عمل ظاهر مع إغفال تنقية القلب، كلما سجد كلما شعر: أنا اعطيتك يارب!! أنا سجدت لك!! استغفر الله، أنا عملت، أنا، المسألة أصبحت ذات، عودة إلى ذاته هو، ثم بعد ذلك بدأ يشير ينبغي أن يكون أفضل من غيره، يارب أنا سجدت وعملت، رقي وأدخل دائرة المقربين، فصار يقارن بين نفسه وبين بقية المقربين: أنا عبدت أكثر منهم، يطلب ارتقاء أكثر، خذ!! إلى أن صار رئيس المقربين وكان يلقب بطاووس الملائكة، إبليس كان يلقب بطاووس الملائكة!! سبحان الله إلى هذا الحد المسألة في داخله، لكن تحولت نسبة العبادة إلى نفسه وليست إلى الله فدخلت في العُجب ثم صارت مقارنة بينه وبين غيره، أنا رئيس المقربين طاووس الملائكة..

3. أفعال بالجوارح :

لما جاء وأصفى خلق الله عز وجل آدم من طين ونفخ فيه من روحه وأمر الله الملائكة أن يسجدوا له، حصل هنا إشكالان: إشكال من ذوات ليس فيها كبر ولكن أرادت أن تعرف، وذات فيها كبر، ليس من الخطأ أن تستشكل شيئا أن تعترض على شيء أن تستفهم شيئا، أن تقول أنا غير مقتنع بذلك أريد أن أفهم، هذا ليس مكابرة ليست عناد، إذا كان الصدق هو الذي دفعك إلى ذلك، الملائكة يقولون: (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) هذا سؤال استفسار، قالته الملائكة لرب العزة استشكلوا الأمر، هم يعبدون الله يسبحونه مخلوقون من نور لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون لكن فجأة جاء الحق عز وجل خلق مخلوق من طين ماسجد لله سجدة واحدة ولا رؤي فيه فضل ولا تميز عليهم، وقال لهم: اسجدوا له {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} ماهذا الخليفة نحن نسجد ونعمل فقال الله تعالى (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، الملائكة توقفوا عند هذا الحد؟! نعم، سبحانك أنت تعلم مالا نعلم.. انتهت القضية لكن إبليس!! كان عنده الكبر نسب أعماله إلى نفسه وليس إلى توفيق الله، رأى أنه أفضل من غيره، كيف هذا مخلوق من الطين وتريدني ان اسجد له مامنعك أن تسجد؟ قال إبليس (أنا خير منه) جاءت مقارنة (خلقتني من نار وخلقته من طين) قال: (فاخرج منها)، لاحظوا هنا بدأت المسألة في داخله ثم صارت سلوكا، ماهو السلوك رفض السجود معصية الله عز وجل عدم الإقرار بأمر الله، هذا فعل امتنع عند ذلك عن الفعل، ثم تلاه بعد ذلك القول اللفظ أنا خير منه ثم تلاه بعد ذلك الإصرار على الباطل (فبعزتك لأغوينهم اجمعين) سأريك!! يقول لمن؟ يقول لرب العزة سبحانه وتعالى، يتحدى من؟ هذا من أين جاء؟ مصيبته الكبرى شعوره بالترفع، ترتب على هذه المصيبة مصيبة ثانية وهي المرآءة الرياء، وسيأتي الكلام عنه، يرى أنه أفضل، ترتب عى ذلك مصيبة ثانية وهي الحسد وبدأ بعد ذلك يؤذي آدم وذرية آدم ولازال يترصد لهم، أعاذنا الله وإياكم منه، من أين كل هذا جاء؟؟ من مصيبة الكبر، إذا عرفنا أين يكون منبع الكبر ..

حقيقة الكبر

الكبر في حقيقته إذا أردنا أن نتكلم عن الكبر من تصوير أو من زاوية أخرى هو جهل، من أين يأتي الكبر؟ منبع الكبر.. أصل الكبر: الجهل، ولهذا كان بعض السلف يقول (بقدر مايزداد الانسان فيه من الكبر يزداد فيه من الجهل) كان بعضهم يقول: (بقدر مايدخل في نفس لانسان من الكبر يخرج من العلم) لايمكن أن يجتمع كبر وحقيقة علم، صورة علم ممكن، يحفظ أحكام ويحفظ آراء وتقريرات ويتقن أعمال، لكن حقيقة علم لا.. لايمكن أن ينالها أبدا المتكبر، لماذا؟!! ماهو ارتباط الجهل بالكبر؟ أنت تتكبر بماذا؟ هذا مقياس الجهل على ماذا تتكبر؟ تتكبر بسبب العلم، هذا من الجهل لأن العلم إما أن يكون حجة لك أو حجة عليك كلما تعلمت أكثر كلما حاسبك الله تعالى أكثر فما الذي يجعلك تتكبر!! ويل للجاهل إن لم يعمل مرة، وويل للعالم حيث لم يعمل ألف مرة، تعال كلما ازددت علما كلما زاد الحساب عليك، إذا مالذي يجعلك تتكبر على الآخرين ؟!
بكثرة علمك؟ بماذا تتكبر.. بتدينك؟ قمت الليل صليت استقمت عملت شيء من الصالحات، صور من الأعمال الصالحة ضمنت القبول؟ بمَ تتكبر؟ تعال الذي وفقك إليها الله ولولا توفيقه ماعبدته ثم بعد ذلك أنت إلى الآن لم تتيقن من القبول هل قبلت أعمالك أم لم تقبل .. لا إله إلا الله .. ربما تنظر إلى انسان تزدريه وترى أنه لاشيء أمام ما عندك من علم أوعبادة أو استقامة قد يكون قلبه معموراً مع الله أضعاف مافي قلبك، ربما تدخل الجنة بشفاعته يوم القيامة هذا الذي تزدريه، عاصي .. ربما يكون عاصي نعم، هل ضمنت أن العاصي سيموت على معصيته حتى تزدريه وتتكبر عليه، أنت تحتقر المعصية لا تحتقر العاصي، نعم المعصية كلنا لانحبها وإن صدرت منا نستغفر الله منها، لكن لايجب احتقار العاصي لأن خواتيمه مجهولة مبهمة، ربما ينظر الله إليه نظرة فيتوب الله عليه فيقبل قلبه فيصير مع الصديقين المقربين عند الله تعالى وأنت؟ وأنا كذلك أعبد!! بدأت قبله في الاستقامة، هل تضمن استمرارك؟ كم من الناس كانوا على استقامة ثم انصرفوا بعد ذلك والعياذ بالله، وهنا لاحظ مسألة الذي يقر نفسه على الكبر على الناس بسبب عبادته لابد أن ينصرف عن العبادة، خذها قاعدة تريد مثل إبليس عبد أكثر منك بكثير والآن ماحاله؟ أبعد الناس عن العبادة، كافر ظال مظل للخلائق ..
فمن تكبرعلى غيره بسبب عباداته سيعاقب بترك العبادة والإعراض عنها، أنت غير ضامن أن تستمر على العبادة
لماذا تتكبر على الأخرين؟ إذا كان العلم والعبادة أشرف شيء لا يبيحان أن تتكبر، تتكبر في المال؟ لاتجعلنا نضحك شر البلية مايضحك، المال تتكبر به؟ (حلاله حساب وحرامه عقاب) الإنسان يُسأل عن كل شئ مرة ويُسأل عن المال مرتين!! من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، مجنون أنت عاقل تتكبر بماذا؟ بمال، الفسقة والكفرة عندهم مال أكثر منك بمَ تميزت بالمال؟ المال مطية إن أحسنت التعامل معها قربتك إلى الله لكن في ذاتها تعتقد أنها فضل؟ أنها شيء تستحق أن تتكبر بها؟
بمَ؟ بنسبك بقبيلتك بعزوتك؟ هذا من أسخف أن تتكبر بشيء ليس لك فيه يد لم تعمل عليه، أنت ليس لك يد في نسبك وليس لك يد في قبيلتك وعشيرتك، لم تختر أن تكون من نسل كذا أو أن تكون من قبيلة كذا فكيف تتكبر بشيء ليس لك يد في تحصيله وليس لك فضل في تحصيله!! إذا لايوجد شيء يستحق أن تتكبر به على غيرك، مجمل الكبر مجمل حالة الكبر جهل .. جهل، هل يرضى المؤمن السالك إلى الله هل ترضى يامريد الله أن تعيش على الجهالة في معاملتك مع الله؟!

خطورة الكبر

أخرج السيوطي يسند صحيح: “الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار“، وفي رواية أخرى : “الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي قصمته” ترى خطورة أكبر من هذه؟ الذي يقوم على إقرار نفسه على التكبر وعلى الكبرياء ويسكت يرى المسألة سهلة، أول خطورة أنه معرض لحرب الله عز وجل (قصمته) يقول الله عز وجل في الحديث القدسي ومن يقوى؟ ما السبب؟ لأن هذا منتهى الاعتداء، لماذا كان اعتداء؟ أن تدعي ماليس لك أن تنازع الله في أوصافه الذي له الكبرياء .. كلمة كبرياء مأخوذة من شيء أكبر وهو الكبرياء، فأنت تنازع الأكبر سبحانه وتعالى، أنت في الصلاة تقول الله أكبر فكيف تتكبر هذه خطورة ..
* قال العلماء أن لله صفات جلالية ولله صفات كمالية ولله صفات جمالية، وعبادتنا لله أن نعمل مع الصفات الجلالية بما يقابلها .. لله الكبرياء لنا ماذا؟ التواضع، لله العزة لنا ماذا؟ التذلل، لله الغنى لنا ماذا؟ الافتقار، لله القدرة لنا ماذا؟ العجز، إذا نظر الله إليك وأنت تتخلق بالأخلاق التي تليق بك بما يقابل صفات الجلالية وأخلاق الربوبية رضي عنك.
وأما أخلاق الربوبية الجمالية؟ نقتدي بها ونتخلق بأخلاق الله، الله رحيم كن رحيما، الله كريم كن كريما، الله عفو كن عفوا، الله حليم كن حليما، هذه صفات يحب الله عزوجل منك أن تقتدي به فيها.
وهناك صفات كمالية والصفات الكمالية إذا تحققت بما يقابلها من الصفات الجلالية، قابلت الكبرياء بالتواضع .. العزة بالذلة لله .. الغنى بالافتقار لله، وأخذت بالكرم وأخذت بأخلاق الله في الكرم، صرت كريم، صرت حليما صرت رحيما، تجلى الله عليك بصفاته الكمالية، أنت عاجز يعطيك قدرة من قوته، أنت ضعيف يعطيك قدرة من قدرته، أنت جاهل يعطيك علما وحكمة من علمه وحكمته (وعلمناه من لدنا علما) يعطيك العلم سبحانه وتعالى لأنك احسنت التعامل مع أسماء الله وصفاته .
المتكبر: سبب في تخريب هذه الأرض، كيف تسير إلى الله وأنت تخرب الأرض التي استخلفك فيها؟ (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) استخلفك على هذه الأرض، أصلح لاتخرب في هذه الأرض، مامعنى هذا الكلام؟ أكثر المصائب التي في الأرض مصدرها من الكبر، كل ماترونه من حروب ماترونه من الدمار من الاختلاس من الرشوات من السرقات، من القطيعة من البغضاء من التدابر بدايتها إقرار النفس على الكبر، إذا نحن نتكلم عن شيء يتعلق بحل مشاكل العالم الذي يحيط بنا، لكن من أين تبدأ معالجة مشاكل العالم، لاتبدأ أن ينفخ أحدنا صدره ويرى أنه الصالح الذي سيصلح العالم، ولو كان بإسم الاسلام؟ ولو كان بإسم الاسلام، لكنها تبدأ بأن يعود الإنسان إلى قلبه ليطهر قلبه من أمراضه .

علاج الكبر

1. علم :

أن تعلم من أنت؟ تعال تذكر وتفكر واقرأ وطالع وأعرف من أنت، (أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت تحمل فيما بين ذلك العذرة) الوسخ .. ما أنت؟ خلقت من ماذ؟ا منتهاك إلى ماذا؟ أنت ضعيف، الجوع يسقطك، التعب ويرهقك .
كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه يقول: عجبت ممن كان يتكبر وهو ضعيف تنته العرقة، إذا عرق بسبب رائحته صار ما يطيق نفسه، وتقتله الشرقة إذا أخذ الماء وشرق يمكن يموت في الشرقة، وتؤرقه البقة،البقة هذا نوع من الحشرات أصغر من البعوضة يدخل إلى داخل الجسم مثل البراغيت لو دخلت إلى جسمك لاتستطيع أن تنام طول الليل هذا المخلوق الصغير يسهرك طول الليل!! أنت الضعيف في حقيقتك لكن القوة تأتيك من التجائك إلى الله، إذا علمت هذا الأمر وتحول هذا العلم إلى شئ ترسخ في داخلك يحتاج إلى جانبه عمل.

2. عمل :

الأول: احرص على الأعمال التي تنمي التواضع، احرص على المبادرة، كل مالقيت أحد من الناس ابدأ أنت بالسلام والمصافحة مهما كان كبير صغير صاحب مخالف، أنت الذي تبدأ لاتترك خواطر نفسك، يامريد انتبه لاتضحك عليك نفسك وتقول لك خذ هذا من باب الكبر.. الكبر فضيلة، خل هذا الكلام الآن، أنت ابدأ من لقيت بالسلام والمصافحة ..
الثاني: بادر إلى الأعمال التي فيها فضل وكسر النفس، دخلت إلى المسجد وجدت شيء من الوسخ نظف المسجد، كان شيخنا الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه، كان من الأكابر من أهل المراعاة لشأن القلوب، في بعض الأحيان يستفقدونه فيجدونه في بعض مراحيض المسجد (بيت الخلاء في المسجد) يغلق الباب وينظف القاذورات التي في المرحاض!! فلما سأله بعض خاصته قال: خفت على نفسي الكبر خفت أن أعُجب بنفسي .. الناس كلها تقول الشيخ الشعراوي.. الشيخ الشعراوي.. التلفزيون والوزير والخدم والحشم واعتقاد الناس فيّ، فخشيت أن أضيع فأردت أن أذكر نفسي بشيء عملي، لهذا تجد الذين يغلب على قلبهم الكبر يصعب عليهم أن يتقبلوا حتى هذا الكلام، إن قلت له قم ونظف هذه الوساخة، قال: ما هذه الوساخة تريدني أن أنظفها؟
كنا نذكر قصة سيدنا أويس القرني رحمه الله تعالى، أنه ذات يوم يجمع الطعام من بعض المزابل ينظفه ويعطيه الفقراء المحتاجين الذين لايجدون الطعام، وكان يقول: اللهم لاتؤاخذني بمن بات جائعا من أمة محمد، اسمع أخي التاجر الذي أعطاك الله شيء من المال، هذا ماكان عنده مال ولا طعام يلتقط الطعام والكِسَر من المزابل ينظفها ويتصدق على الفقراء المساكين، ثم يقول بعد ذلك لاتؤاخذني بمن بات جائعا من أمة محمد، وذات يوم جاء أحد الكلاب ونبحه وهو على المزبلة فقال له ياهذا .. يكلم من؟ الكلب .. لاتؤذيني ولا اؤذيك آخذ مما يليني وتأخذ مما يليك، فإن أنا اجتزت الصراط ودخلت الجنة يوم القيامة فأنا خير منك، وإن أنا هويت من الصراط على النار فأنت خير مني.

ننصرف من هذا المجلس

بأن هذه الحقيقة يا إخوان .. نعم!! الكلب يوم القيامة يتحول إلى تراب، أحدنا لا قدر الله إذا دخل إلى النار ماذا سينفعه؟ الكلب خير منه..
البعض سمعنا نذكر هذه القصة شنّع وصاح كيف ولماذا؟ .. تريد الناس يأكلون من المزابل؟؟ لا! بل نريد الكبر الذي في قلبي وقلبك أن يخرج .. نريد أن نعالج أمراض قلوبنا يا إخواني..
هذه أعمال ينبغي أن نحرص عليها، من هذه الأعمال خدمة الفقراء والمساكين، في حيك بعض الفقراء والمساكين، اذهب واخدمهم، اذهبي اسألي عن أيتام وفقيرات أو عاجزات نظفي ثيابهن ساعديهن على دخول بيت الخلاء اغسليهن لأن هذا فيه كسر لمعنى الكبر في النفس، قاس على النفس لكن فيه تهذيب للنفس وتربية لهذه النفس.. إذا علمٌ، وعمل، يعالج الكبر مع الإلحاح على الله تعالى بالدعاء ..
أسال الله تبارك سبحانه وتعالى أن يخلص قلوبنا من دقِ الكبر وعظيمه ، اسأل الله عز وجل أن يرزقنا كمال العبودية له .. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحققنا بدوام الإنكسار له .. أسأل الله عز وجل أن يفتح لنا في أنفسنا في المعرفة به توصلنا إلى معرفة به، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين..
* مشاهدة وتحميل الحلقة التاسعة- فيديو - من هنا
* تحميل الحلقة التاسعة – صوت – من هنا
* المزيد من الدروس عبر الرابط من هنا

Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger