الرئيسية » » الدرس الرابع عشر – انضباط المريد

الدرس الرابع عشر – انضباط المريد


الحمد لله، حمد مستغرق في فضله وإحسانه وجوده وامتنانه، حمد عاجز عن أداء حق شكره على نعمه وآلاءه، حمد معترف بتقصيره وقبح عمله وسوء اجتراءه، حمد راجٍ في فضل الله تعالى وإحسانه وكرمه واصطفاءه، اللهم صل وسلم على سيدنا مولانا محمد أعظم من دلّ على الله؛ الباب الأوحد للدلالة على الله، (قل إن كنتم تحبونَ الله فاتّبعُوني يحببكمُ الله)، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى عترته وأصحابه، وتابعيهم والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
لعلنا منذ المجلس الماضي إلى الآن قد أحكمنا أمر أخذِنا بأزمّة أنفسنا نحو العمل، أحدثت؟ توضّأت؟ حدثٌ أكبر؟ اغتسلت .. ضبطت قلبك في شأن هيأتك ومظهرك .. أو تحاول أن تعمل ذلك وأنت في الطريق إليه، خذ ضابطين في هذا المجلس تستعين به على تدرجك في هذا الأمر ..
* استمع للحلقة الرابعة عشر وأنت تتصفح :
الضابط الأول: كنا تحدثنا معاً في المجلس الماضي عن أن ضبط طهارة الظاهر مرتبطة بتنوير الباطن، وطهارة الباطن له صلة بتقليل الطعام والنوم والكلام، هكذا؟ كان أشياخنا رحمهم الله وحفظ الله من بقي منهم وجزاهم عنا خير الجزاء، يقولون: أن التقلل من الطعام والنوم والكلام لا يكون دفعة واحدة، كنت تأكل في اليوم أربع أو خمس أوست وجبات بطيئة وسريعة..

ضبط الطعام

لا يتأتى أن تحولها في يوم وليلة إلى وجبة واحدة، سيحصل عندك اختلال، التدين لا يكون هكذا “إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى“..

خطوات عملية

أولا : بنصيب من الصيام، وعند الصيام نعتدل في الإفطار، ونلتزم وجبتين عند الإفطار وعند السحور، ونخفف الأشكال والألوان التي بينهما، هذه واحدة ..
ثانيا : قلنا من المجلس الماضي أنا سنقوم عن الطعام ونحن نشتهي لقمة واحدة نتركها من أجل الله سبحانه وتعالى ..
ثالثا : نتدرج في التقليل في كمية الطعام في الوجبة الواحدة، ثم نعوض نستشعره من نقص بإيثار ما لا نشتهيه على ما نشتهيه؛ جلست على المائدة وشعرت أنك غلبت أمام نفسك مرة مرتين ثلاث أربع مرات في نوع معين من الطعام هو نقطة ضعفك، أو نوعين أو ثلاث إذا وضِعت خلاص، هنا خذ هذا الضابط، في هذه الحالة ابدأ بشيء غير معتاد أنك تشتهيه اجعله يأخذ نصيباً أولا من بطنك، فإذا بدأت تأكل ما تشتهيه بدأت تأكل واللهف الذي في داخلك قد خف، ما عاد عندك هذا الاندفاع الذي كان في السابق، أبدأ بالسلطة؟ كل سلطة، ملأت حيزاً من بطنك إذا أكلت شيء مما تشتهي ستعتدل ستأخذ بزمام بطنك، هذا فيما يتعلق بالطعام .

ضبط النوم

كم ساعة تنام في اليوم والليلة؟ دعونا نضبط أمورنا نحن نقول أننا نريد الآخرة، مريد تريد السير إلى الله؟ مريد لايدري كم ينام وكم يستيقظ ما هو مريد لايكذب على نفسه -إن شاء الله يصدق يأخذ بالمسألة- كم ساعة تكفيك؟ ثماني ساعات؟ أكثر من ثماني ساعات هذا لايمكن أن يقبل أصلاً، أكثر من ثماني ساعات من أصل أربع وعشرين ساعة غير ممكن للمسلم العادي للإنسان العادي فضلا عن المريد، لكن الذي ألِف أن لا يضبط نومه نقول إبدأ بالثمان، أما الذي ألِف إبدأ بالست ساعات تكفيك، إن كانت على وجهها كما ينبغي فستكفيك الست الساعات، ما استطعت فثمان ساعات وقلل ربع ساعة، لكن بعد أن يمر عليك شهر وأنت ضبطت ثمان ساعات؛ بمعنى أن جسمك قد تأقلم على أنك تكتفي بها على أن لك قدراً من النوم لا تزيد عليه، لأن الزيادة على القدر المطلوب من النوم يورث النفس رخامة؛ تكون النفس رخِمة؛ فيها شيء من الكسل، التثبـّط، الضعف، عدم همة تضعف الهمّـة، لكن إذا ألِف الجسم أنه تبرمج ننام ثمان ساعات ..

خطوات عملية

لا يوجد ثمان ساعات ونصف أو ثمان ساعات وربع مر عليك شهر حتى ألف جسمك الإنضباط في نومك وألفت نفسك، قلل ربع ساعة .. الآن أنت إنسان مضبوط الآن، عندك فرق بين النوم ربع ساعة أونصف ساعة، قبل ذلك ربما نمت نصف ساعة أو ربع ساعة زيادة ساعة زيادة لا إشكال، لكن لا!! الآن أنت مريد سالك سائر إلى الله عزوجل، ربع ساعة لها قيمة عندك تنقص ربع ساعة من النوم مر عليك الشهر والثاني والثالث وقد ألفت نفسك الثمان ساعات إلا ربع نقص ربع ساعة، وهكذا بعد ثلاثة أشهر نقص ربع ساعة، وجدت عندك همة بعد شهر نقص ربع ساعة، وصلت إلى ست ساعات استقر على ست ساعات، متوسط نوم السائر ست ساعات وجدت همة وأنقصت ربع ساعة لا بأس .
انتبه!!  الربع ساعة هذه التي تنقصها والربع ساعة والربع ساعة حتى تصل إلى الست ساعات ينبغي أن يكون في مقابلها يوم مضبوط، بمعنى أن الربع ساعة التي اقتطعتها لها وظيفة قد شغلتها به لها مهمة أديتها فيها لم تذهب في تسكع أو إضاعة وقت، بعض الشباب يقول تعال نقتل الوقت!، ما خـُلِـقت لتقتل الوقت بل خـُلِـقت لتعمر الوقت وتحيا ببركة الوقت، البعض يقول تعال نضيع وقت!، ما خلقت لتضيّع وقتاً حتى لا تضيع، خـُلِـقت لتتغانم الوقت، المريد للنفس عنده قيمة إذا مرت عليه إما في ذِكر أو في فِكرٍ أو في دعوة إلى الله أو في نفع لعباد الله سبحانه وتعالى، فإذا ملأت برنامج النهار بما ينبغي تستطيع أن تضبط ساعات النوم، لكن إذا تركت اليقظة سبهللاً لن تستطيع ضبط النوم أبداً .. بينهما صلة واتزان وتكامل، ضبطت وقتك في اليقظة ستشعر أنك محتاج إلى تقليل النوم وسيكون هناك ضبط في تقليل النوم.
وانتبه!!  لا تخرج بهمة وحماسة تقرر من بعد هذه الليلة أن تنزل من عشر ساعات النوم إلى ساعتين نوم!! تـُجن لا يكون الأمر على هذا النحو وإنما يكون بالتدرج.

ضبط الكلام

هل أنت من الناس الذين إذا ذكر أي موضوع لا بد أن يشارك في الكلام سواء عنده ما يفيد أو لا يوجد عنده ما يفيد؟ إذا ثار نقاش يحب أن يدخل في نقاش سواء كان النقاش الذي يخرج الناس منه بفائدة أو من الكلام الميت
تعرف الكلام الميت؟ الذي لا تنبني عليه فائدة .. (سنة أربع وتسعين من أخذ كأس كذا؟ أخذها فلان، أبداً أخذها فلان .. أبداً أنا متأكد وتعال ونبحث وصراع!!) نصف ساعة ضاعت، الذي أخذها فلان ولا فلان..
السيارة الفلانية هذه صناعة انكليزية أم أمريكية .. يابانية! هذه أفخم ولا السيارة الفلانية أفخم؟ وفي النهاية لا المناقش ولا المناقش الآخر سيشتريان هذه السيارة!!! لو كان النقاش سيترتب عليه عندك قرار أنك ستشتري سيارة ابحث عن الأقوى عن الأفضل، لكن نقاش طويل عريض وجدل وضاع من وقتك نصف ساعة تتناقشان …!
هذا يسمونه الكلام الميت بمعنى الذي لايترتب عليه نفع ولا يترتب عليه قرار أو زيادة فائدة،
واحد دخل عند شيخ وهو يدرس قال ياشيخ ياشيخ ما لون فروة الكبش الذي فدى الله تعالى به إسماعيل؟ لون فرة الكبش الذي فدى الله تعالى به اسماعيل!! وما الذي يترتب على هذا العلم؟؟ ستصبغ الكبش الذي عندك نفس اللون؟ ما القصة!؟
فلا ترضى أبدا أن تدخل في نقاش أو تتكلم في كلام ليس واضح أمامك ماذا تريد أن تصل إليه من هذا الكلام، لا تدخل في نقاش أو تتكلم في كلام لاتتوقع منه فائدة أو لا تريد أن توصل به رسالة أو تتعلم من خلاله من أحد، إذا أردت أن تتكلم إما أن يكون قصدك أن تـُعـَلم أو تتعلم .. تـُوصِل فائدة أو تتلقى فائدة .. لكن كلام لا تـُعلم به ولا تتعلم به .. لا تفيد به ولا تستفيد به .. هذا لا يليق أبداً بالسالك إلى الله، ليس لديه فضول الكلام أبداً.

كلام رسول الله ..

سبحان الله .. كلما ارتقى الإنسان كلما قل كلامه وكلما صارت الكلمة جزلة جامعة بحيث تغني عن عشرات الكلمات، لنقص المـُتـَكلم الذي أمامكم إذا أراد أن يوصل إليكم معنى احتاج إلى ربع أو نصف ساعة في جزئية ..
لكن اسمع .. كان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إذا أراد جليسه أن يعد كلامه لعده، تأملت؟ ما كانت مهمته؟ ما هي وظيفته؟ كان رسول الله معلماً “إنما بعثت معلماً” والذي بـُعِث معلماً داعياً دالاً هادياً، يصفونه في الشمائل أن جليسه إذا أراد أن يَعـُد الكلمات التي نطق بها في مجلسه لاستطاع أن يعدها، وخرج بعد ذلك من هذه الكلمات التي تـُعد في المجالس عداً .. خرجت العلوم الكبرى في هذه الأمة، تفرعت علوم الشريعة في هذه الأمة، خرج الدعاة إلى الله من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، راجعوا صحيح البخاري أو صحيح مسلم، ما اعتدت تفتح البخاري ومسلم؟ خذ رياض الصالحين اقرأ فيه، تجد غالب الأحاديث لن تزيد عن سطرين أو ثلاثة أو أربع اسطر، ما معنى هذا الكلام؟ الصحابة كانوا أهل حفظ و أهل تدوين فيهم المدون وفيهم الذي يحفظ، يـَندر أن تجد حديثاً من صفحتين من صفحة ونصف، حتى أن بعض الحفـّاظ عندما يذكرون معايير من خلالها يضعفون أو يصححون الأحاديث، بعضهم علـّل بعض الأحاديث بطولها، هذا الحديث ثلاث صفحان أو أربع صفحات جعلها علـّة عند نقده لهذا الحديث عند الكلام عن المتن.

أين لسانك !!

معنى هذا؟ أنه رَبّى صلى الله عليه وسلم أصحابه على أن يجعلوا ألسنتهم من وراء قلوبهم، و أنت لا يمكن أن تكون إلا أحد إثنين لا ثالث لهما:
إما أن تكون إنسان يسير قلبك من وراء لسانك، في هذه الحالة أنت الذي تتكلم في كل شيء على أي وجه، أي كلام يحصل تكلم، هذا الذي يتكلم هكذا سبهللاً بغير ضبط للكلام، في الغالب قلبه يتبعُ لِسانه وهذا سيذهب به إلى بعيد إلى خسارة،
لكن الذي يجعل لسانه من وراء قلبه يقوده قلبه إلى الارتقاء فمن لسانه كذلك، كان حاله حال من يـَزِن الكلمة قبل أن ينطق بها ويعلم لماذا نطق بها.
يقولون أن بعض المشاهد التي شهدها الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، رأى ثوراً كبيراً يخرج من ثقب صغير (جحرٍ صغير) ثم يحاول الرجوع غليه فلا يستطيع، فسأل ما هذا؟ قيل له: إنها الكلمة ينطق بها صاحبها ثم يندم ويود أن لو رجعت هذه الكلمة ولم ينطق بها فلا يستطيع أن يرجع عنها، .. هذا مشهد ومعنى ..

بماذا يتكلم المريد ؟!

المريد لا يمكن ان يتكلم ولا يحرك لسانه إلا بثلاثة أنواع من الكلام فقط ..
- إما أن يتكلم بذكر..
- أو بتذكير (كلام فيه نفع .. يُعلم غيره أو يتعلم من غيره).
- أو قضاء حاجة (شيء من شؤون الحياة التي يترتب عليها لحاجة أن يتكلم فيها) .
فائدة: الذي يضبط كلامه يستطيع أن يضبط بقية الأعضاء، جاء في بعض الروايات أن في كل صباح الجوارح الأعضاء تنادي اللسان (اتق الله فينا فإنا بكَ .. إن صَلحت صَلحنا وإن فسدت فسدنا)، سبحان الله .. قال بعض الحكماء إن الله قد جعل على جارحة باباً واحداً وجعل على اللسان بابين، الأسنان والشفتين .. ما تنطق بكلمة حتى تفتح البوابتين لتتذكر، وجعل لك لساناً واحداً وأذنين حتى تستمع أكثر مما تقول.
* مسألة : الكلام شهوة كما أن الطعام شهوة والنوم شهوة والزواج (النكاح) شهوة والشهرة شهوة .. الكلام أيضاً شهوة (شهوة الكلام) .. وهو أكثر مما يُخاف منه على الذين يخدمون الدعوة من أمثال المتكلم أن يعيش شهوة الكلام، أن نتحول إلى أناس متشهين إلى أن نتكلم ونتكلم ونتكلم مع الناس، الكلام شهوة .. والمريد يجاهد في شهواته، إذاً عليك أن تجاهد شهوة الكلام فيك، تكلم عندما يكون هناك حاجة وعندما لايكون هناك حاجة إما أن تشغل لسانك بالذكر وإما تشغل قلبك بالفكر .. اصمت ومع الصمت تـَفكر .. وتستطيع أن تحضر بين الناس وأنت صاحب ذكر دون أن يشعر الناس إن خفت على نفسك الرياء .

خطوات عملية

* جرب وأنت الآن تستمع إلى هذا الكلام .. قل (لا إله إلا الله) لكن دون أن لاتحرك شفتك تستطيع أو لا تستطيع، (لا إله إلا الله) أعظم كلمة التي لو وزنت السماوات والأرض بها لرجحت عليها، لا تحتاج إلا أن تحرك لسانك، يمكن أن تكون جالس بين أناس وأنت مضطر أن تجلس بينهم لسبب أو لآخر وهم في غفلة لا تستطيع أن تتركهم وحاولت أن تدعوهم إلى الله ما استطعت أن تقنعهم اشتغل بالذكر على هذا النحو، لكن انتبه لا تشتغل في هذا الذكر وأنت على مكتبك في عملك وأنت موظف لأن في هذا إخلال بالأمانة، أنت هنا موظف لساعات معينة بمقابل معين لتؤدي عملاً معيناً .. ما دمت على العمل أتقن عملك هذه أمانة تؤديها .. وذكرك هنا في هذه الحالة هو عملك إن كان مباحاً ونويت به الكسب الحلال والإنفاق على من يجب عليك أن تنفق عليهم وصيانة نفسك عن الحرام.
* تذكر اليوم قبل أن تنام الليلة .. المجالس التي عقدتها أوحضرتها من النهار إلى الليل، كم عقدت مجالساً مع اثنين ثلاثة أربعة مع مجموعة؟ ثلاث مجالس خمس مجالس ست مجالس؟ راجع نفسك في الست المجالس التي مرت؛ نسبة الكلام المفيد إلى غير المفيد، مزعج!!، الصادق منكم لو بدأها هذه الليلة .. هذا الورد من المحاسبة.. ربما يصعب عليه النوم، لكن لغاية حسنة، في اليوم الذي يليه قبل أن تخرج حاول أن تستحضر ما هي المجالس التي ستحضرها، تعرف أنك ستلتقي بفلان وفلان، وستذهب إلى المكان الفلاني، بدأت المسألة تتبلور في ذهنك، قرر في المجلس الفلاني سأنشغل بكذا وكذا مما ينفع المجلس، والذي يليه كذا وكذا،والذي يليه كذا وكذا، وفي الليل ارجع حاسب نفسك؛ كم نسبة اللغو في كلامك الذي لاينفع وكم نسبة الكلام النافع.
- مثال عملي من زماننا: أحد الشباب لما سمع شيئاً من هذا الكلام في بعض الدروس، جرّب تجربة لطيفة استفاد منها كثيراً، أخذ مسجلاً رقمياً من هذه الـmp3، ووضعه في جيبه، واستمر معه ثمان ساعات في يومه، وهو يسجل، فلما عاد جاء ليستمع ثلاث ساعات من الثمان ساعات –اشتغـَلَ على نفسهِ- وبدأ يلاحظ نسبة الكلام المفيد الذي يحمد الله أن يراه مكتوب على صحيفته .. وكم نسبة الكلام الذي لا يفيد ..
- مثال من حال الصحابة: سيدنا أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه كما جاء عنه في بعض الروايات ضبط هذه المسألة بوضع حصاة صغيرة على لسانه؛ ليضبط لسانه، كلما تحرك اللسان لينطق بكلمة يفكر من ثقل الحصاة التي فيها ماذا سيقول !!

هل تجد صعوبة ؟

البعض يشعر أن السير إلى الله الآن بدأ يدخل طوراً فيه شيء من التعقيد من الثقل في النفس، لكن والله الثمرة كبيرة، لو علمت كلمة قيمة الثمرة، وأيضاً التعقيد هذا مؤقّت، الثِقل هذه والصعوبات مدة بسيطة؛ مدة ترويض الحصان تتذكرون قصة ترويض الحصان؟ لما قلنا أن النفس مثل الذي لم يروض بعد .. لما يأتي الذي يروضه ويركب عليه والحصان يتحرك يتحرك يتحرك..
الصعوبة والثقل الذي تتصوره الآن عند سماعك لمثل هذا الكلام مثل صعوبة ترويض الحصان في البداية، ثبتّ شهرين ثلاثة أربعة أشهر سترى النفس تنصاع، وسترى الذي كنت تتوهمه صعباً من أسهل ما يكون بعد ذلك، وخصوصاً إذا كان ذلك مربوطاً بالدعاء والإلحاح على الله.
الضابط الثاني : أن يكون جدولك في النهار مضبوطاً، وأول خطوة في ضبط الجدول الفرائض، هكذا في جدول اليوم (الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء) هذا أول ضبط للجدول، الفرائض في وقتها مع جماعة في المسجد، ما استطعت في المسجد، صلّ مع من معك جماعة، احرص على الجماعة، احرص أن لا تصلي إلا جماعة، ابدأ بهذا الضبط لمقياس الزمن، كما أن الإنسان يريد أن يبدأ خطة يضع أعمدة للخطة، يضع محاور لترتيب الوقت، المحاور الحقيقية لترتيب الوقت الصلوات الخمس، نعم أشغالنا وأعمالنا تدور لا تنضبط مع الصلوات الخمس، في الشتاء في الصيف وقت الذهاب للعمل مختلف عن وقت صلاة الصبح الظهر العصر المغرب العشاء نعم حياة الناس اليوم ترتبت على غير الصلوات، لكن اسمع حتى التركيب الفيزيائي لجسمك مرتبط بالصلوات، لأن الجسم يتأثر-وثبت هذا- بطلوع الشمس وغروب الشمس؛ يتفاعل مع الليل والنهار، اضبط وقتك على هذا الأساس؛ على أساس صلواتك في أول ما تضبط به الوقت، سيأتي الحديث عن تفصيل ذلك، عن كيف نعيش معنى الصلاة، عن الحضور مع الله في الصلاة، لكن هذه بداية اخرج من هذا المجلس هذه الليلة وأنت تفكر فيها؛ أنا سأقلل بالتدريج الطعام والمنام والكلام، وأخذت بعض ضوابط وقواعد سأنفذها، أول ضابط في اليقضة سأضبط الصلوات الخمس في أوقاتها.

محاور المريد العملية

يترتب على هذا أنك ستنتقل إلى مرحلة جادّة في تسيير يومك وليلتك، لدينا في تهذيب النفس وترقيتها في السير إلى الله محورين عمليين، هناك محاور علمية تتحول إلى سلوك وقرار، لكن هناك محورين عمليين أساسيين: محور الزمن (الوقت) ومحور الحياة (التعامل مع الناس، مع البيئة المحيطة بك) إذا ضبطت هذين المحورين ضبطت سيرك إلى الله، وسهُل عليك أن تعمل بالكلام الذي تسمعه في هذه المجالس، اضبط محور الوقت الزمن الذي يمشي معك واتفقنا الآن بدايته في الصلاة، واضبط محور التعامل مع الناس، العلاقات، الصلة بالناس، كيف تكون سالك إلى الله ليس فقط في المجلس، ولا في المسجد فقط، وليس فقط في خلوتك ولما يروق بالك جلست مجلس ذكر صرت ابن طريق سائر إلى الله عزّ وجلّ، لكن خرجت من مجلس الذكر دخلت إلى الشغل، ذهبت إلى المدرسة، ذهبت إلى الجامعة، دخلت إلى الوظيفة، إلى التجارة، إلى الحقل، إلى السوق، لا أصبح السلوك على جنب، وضِع على الرف، رجعت مرة أخرى بعد فترة .. الله!! اشتقنا لمجلس الذكر تعالوا نرجع نبحث عن السلوك .. لا .. المقصود أن يكون السلوك معك وأنت في علاقاتك اليومية، إذاً لدينا محوران: المحور الأولالوقت، والمحور الثاني العلاقات والتعامل مع الناس ..
الوقت هو ما سيأتي الكلام عنه إن شاء الله في المجلس القادم والذي يليه، من خلال الفرائض ومن خلال الرواتب والنوافل ومن خلال الأذكار والأوراد، ومن خلال الفكر، ومن الفكر وترتيب الأوقات سيأتي الحديث عن صلة ذلك بيومياتنا وبعلاقاتنا بالناس، وبهذا نبتدئ مرحلة التركيز في تنفيذ ما كنا نتكلم عنه في المجالس الماضية، أسأل الله عز وجل أن يصطفينا وإياكم لهذا الأمر.

ننصرف من هذا المجلس

بأعظم غاية في هذا الوجود؛ عن قيمة حياتك كلها، تستحق هذا التحدي؟ الأمر قريب لكنه يتطلب قراراً، القرار يسمى في لغة السلوك والسير إلى الله (النية) وترجمته (الهمة والعزيمة) إذا نويت وهممت وعزمت، سترى كيف أن الله سيفتح لك الأبواب،
كان الإمام الجنيد رحمه الله تعالى يقول-استمع لهذا الكلام- (من فتح على نفسه باب نيّة صالحة فتح الله له سبعين باباً من أبواب التوفيق) .. إذا خرجت من هذا المجلس ولك نية صالحة على أن تسير لتقتحم، يقولون أن الشباب عندهم روح التحدي، هذا مكان التحدي، باسم الله تحدى نفسك تحدى الشيطان، سترى كيف يأتيك المدد والعون من الله عز وجل، نسأل الله أن يصطفينا وإياكم ويمدنا وإياكم بتوفيقٍ من عنده، اللهم يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وفقنا للخير وأعنا عليه.
وأختم لكم المجلس بدعاء تحفظونه جميعاً ثلاث أو أربع كلمات، هذا الدعاء علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأرضاه، يسمي علماء الحديث هذا الدعاء الحديث المسلسل بالمحبة، ما معنى المسلسل بالمحبة؟ النبي قال لسيدنا معاذ: “يا معاذ إني أحبك” الله الله!! لا أدري كيف تحملت ذات معاذ هذه المواجهة التي ووجـِه بها من المصطفى، سيدنا محمد يقول له إني أحبك الله الله، لكنها ذوات الصحابة اصطفاها الله لهذا العطاء الكبير “إني أحبّك فلا تدعُنّ أن تقولوا دبر كل صلاة (بعني بعد كل صلاة مباشرة)، اللهم أعنـّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” سهل؟ لاحظ هنا النبي صلى الله عليه وسلم كان من الممكن أن يقول له مباشرة يا معاذ واظب على هذا الدعاء، لكن ربطه النبي بمعنى؛ ربطه النبي بحبه له (يا معاذ إني أحبك) سيدنا معاذ قال لمن أخذ عنه من التابعين (إني أحبّك فلا تدعُنّ أن تقولوا دبر كل صلاة، اللهم أعنـّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) والتابعون قالوا لكل من روَوا عنهم من تابعي التابعين كل واحد منهم يقول للآخر (يا فلان إني احبك ……) وهكذا تسلسلت إلى أشياخنا..

إجازة

سمعت شيخي الحبيب أحمد المشهور بن طه الحداد، يروي بسندٍ إلى النبيّ هكذا قال لنا في المجلس (إني أحبكم فلا تدعُنّ أن تقولوا دبر كل صلاة اللهم أعنـّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وإن صحّ للمتكلم بهذا السند فأقول لكم ولمن يسمع ولمن يرى (إني أحبّكم فلا تدعُنّ أن تقولوا دبر كل صلاة، اللهم أعنـّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) قبلتم؟ قلها وأنت مستشعر قيمتها.. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
* مشاهدة وتحميل الحلقة الرابعة عشر- فيديو - من هنا
* تحميل الحلقة الرابعة عشر – صوت – من هنا
* المزيد من الدروس عبر الرابط من هنا

Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger