الرئيسية » » الدرس الثاني عشر – طهارة الظاهر1

الدرس الثاني عشر – طهارة الظاهر1


الحمد لله الذي يحب التوابين ويحب المتطهرين، وصلى الله وسلم وبارك على إمام أهل الطهارة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
وقد انتهى بنا الحديث إلى التهيؤ لطهارة الظاهر بعد الحديث عن تطهير القلب من أمراضه، وقد لاحظ أحد الفضلاء من الحضور في المجلس الماضي والذي قبله والذي قبله، أن الحديث عن أمراض القلوب وأمهاتها التي ذكرت .. الكِبرُ والرياءُ والحَسد .. لا يكفي فيه الحلقات الثلاث أو المجالس الثلاث التي مرت، إذ انه أس الاشكال الذي يعانيه السائر إلى الله عز وجل، بل أس الإشكال الذي تعانيه الأمة، بل أس الإشكال الذي تعانيه البشرية في زماننا، ولولا أن هذه المجالس المقصود منها..
* استمع للحلقة الثانية عشر وأنت تتصفح :
هذه المجالس المقصود منها : إلقاء الضوء على أمهات شؤون السير إلى الله عز وجل، بحيث يتم المرور على أبواب السير إلى الله تعالى من خلالها، ثم من وراء كل مجلس وكل موضوعٍ تفريعات إن تيقظت قلوبنا وتنبهت للسير إلى الله استشعرنا حاجتنا إليها، لأُطلِق العِنان في الكلام عن هذا الأمر، ولكن لكم أن ترجعوا إلى كتب القوم التي تخصصت، وهنا ينبغي التنبه إلى أمر .. كان الشأن فيمن سبق في السلف الصالح ومن بعدهم أنهم خصصوا لعلم السير إلى الله وتزكية الأنفس بابا..ً أي جعلوه علماً مستقلاً، فكان طالب العلم وطالب الوصول إلى الله كما يدرس علماً اسمه الفقه وعلماً آخر اسمه التوحيد وعلما ثالث اسمه الأصول ورابع اسمه الحديث وخامس اسمه علوم القرآن وما يتفرع عنه من علوم القرآن كأصول التفسير والتفسير وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، أيضاً كان هناك علم مخصص للتزكية لمنزلتها ومكانتها في ديننا وأهميتها لكل واحد منا، وقد انتشر إهمال هذا العلم في المائة سنة الماضية أو المائة والخمسين السنة الماضية من أحوال الأمة، وكان هذا أحد أسباب تاخر الأمة ايضاً وما آلت إليه، لهذا ينبغي العود إلى هذا العلم مرة أخرى، العلم الذي يُعنى بصلاح القلوب، سَمهِ الإحسان سمهِ التزكية سمهِ ما شئت لا ندخل معك في جدل حول الإسم لأنا نريد المسمى وليس مقصودنا الاسم، على كلٍ بعد حديثٍ مهم عن صلاح القلوب وتطهيرها بعد إغلاق المنافذ التي كانت تدخل من خلالها الأسواء والظلمات إلى القلب ثم العمل على تطهير باطن الانسان (القلب) بقي الاعتناء بظاهر الطهارة، تطهير ظاهر الانسان لأن ديننا من عظمته أنه بنى الإنسان بكله ظاهره وباطنه، لم يعتني بظاهرٍ معمور وباطن خرب، ولا بباطنٍ معمور وظاهرٍ خرب، بل بنى الانسان ظاهراً وباطناً.

طهارة الظاهر

الجانب الحسي

المقصود نظافة الأعضاء والملابس، طهارتها من النجاسات وطهارتها من أيضاً من الأوساخ “إن الله جميلٌ يحبُ الجمال نظيفٌ يحبُ النظافة“، (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فعـُلمنا أن المؤمن لا يرضى أن يبقى وعلى جسده شيء من النجاسات أو على ثيابه شيء من النجاسات، لأن المؤمن في حال دوام حضور مع الله أيها المريد مهمتك أن يدوم حضورك مع الله ذاكراً مستشعراً عظمة الصلة به، والنجاسة مع ما فيها من قذارة تلحق بالجسد وتصيب الثوب تشمئز منها النفوس هي أيضاً مدخل للظلمات على الإنسان، النجاسة لها صلة بالظلمة كما أن الطهارة لها صلة بالنور، فأولاً لا ينبغي للمريد السالك إلى الله أن يبقى وعلى ثوبه أو على بدنه أو على مكانه شيء من النجاسات وإن أصابها شيء من ذلك فليسارع إلى إزالته وغسله، هذا ينبهنا إلى أمر وهو أنه بحاجة إلى أن يتعلم أحكام الشريعة في التعامل مع الطهارة والنجاسة، إذ أن السير إلى الله لا يكون على جهل أبداً، “ما اتخذ الله من وليٍ جاهل، ولو اتخذه لعلمه” هكذا كانوا يقولون، إذاُ نحن بحاجة للاعتناء بتنظيف المظهر..

الجانب المعنوي

أيضاً نحن بحاجة إلى اعتناءٍ بمعنى الطهارة المعنوية للظاهر وهي حصول رفع الحدث الأكبر والأصغر، بمعنى ألا يرضى المريد أن يمر عليه وقت وهو على حدث، إن أصابه حدث أصغر مما ينقض الوضوء سارع إلى الوضوء، وإن أصابه حدث أكبر مما يوجب الغـُسل سارع إلى الاغتسال، إذا عاشر أهل بيته أو استيقض وعليه جنابة يسارع إلى الاغتسال، وان اصابه أمر طارئ أخر عنه الاغتسال فلا أقل من الوضوء وفي أشد الحالات وندرها إذا شعر بالتعب الشديد وما استطاع فالتيمم ولو بجداره كما كان يفعل صلى الله عليه وآله وسلم وروت عنه السيدة عائشة، فلا أقل من أن يضرب بيده على صفحة الجدار بنية التيمم ويتيمم بحيث لا ينام إلا وهو على وجه من أوجه الطهارة، أما إذا أراد أن يخرج من بيته فلا ينبغي أن يخرج إلا وهو على طهارة ..

فوائد المداومة على الطهارة

1. التحصين والحفظ :

، كان أحد الافاضل البارحة يسأل ما الذي يقوي ويكثر من خواطر الخير التي تأتي إلهاماً من الله ولمة من الملك ويقلل خواطر الشر التي تأتي من الشيطان أو النفس أو من الاستدراج، تتذكرون ماكنا نذكره في المجالس الماضية حول هذا الامر، جاء سؤال جيد من أحد الأفاضل البارحة قال كيف يزيد هذا الأمر؟ أحد الاجوبة على هذا السؤال ما نحن بصدده الآن، المريد الحريص على استمرار الطهارة تكثر على قلبه واردات الخير وتقل واردات الشر، وعندما يكون الانسان أو السائر أو المريد الطالب القرب من الله عز وجل على غير وضوء وغير طهارة تكثر عليه خواطر الشر وسوسة الشيطان وحديث النفس، تقوى عند الإنسان الذي لا يكون على طهارة، لكن كلما دام على طهارته كلما عاش في هالة من نور يتحصن بها ويحفظ بها عن أن تدخل على قلبه خواطر الشر، يحفظ أيضا من أذى الشياطين .. شياطين الإنس والجن، يحفظ أيضا من الحسد، يحفظ أيضا من السحر، هذا حفظ وتحصين كامل للمريد أن يدوم على طهارة .

2. تقوية اليقين في القلب

ما دخلُ شيء من الماء أغسل به وجهي ويدي إلى المرفقين أو فوقهما قليلا امسح به رئسي واغسل به قدمي في تقوية اليقين الذي هو أساس الدين؟ قالوا نعم، الذي يحرص دائما على الوضوء يكون مستعدا للقاء الله في كل وقت، الذي يحرص على أن يكون على طهارة دائمة هو في كل لحظة مستعد للقاء الله عز وجل، من الأشياء التي كان أشياخنا جزاهم الله عنا خير الجزاء يحمسونا ويرفعون همتنا في الحفاظ على الطهارة ودوامها فينا، كانوا يقولون لنا: لو جاءك الموت في أي لحظة يأتيك وأنت على طهارة فصار الواحد منا كل ما أراد أن يتوضأ يتذكر هذا الكلام، يأتيني الموت وأنا على طهارة، إذا صار المريد متذكر للموت على الدوام، والذي يغلب على قلبه ذكر الموت والاستعداد للموت على الدوام لا يمكن للدنيا ان تلعب بقلبه لا يمكن للشيطان ان يلعب به لا يمكن للنفس ان تأخذ به، إن أخطأ مرة عاد وتنبه واستفاق ورجع لانه دائم الذكر للموت، والذي يجعله تذكره للموت يعمل ويقوم بالعمل وحول المسألة إلى عمل، قام يتوضئ استعداداً للموت، العمل يقوي اليقين في القلب، فإذا الحفاظ على دوام الطهارة يقوي اليقين في القلب.

الهيئة والهندام

بقيت مسألة قبل أن ننتقل إلى ما يعين على دوام الطهارة وهي مسألة جودة الهيئة والشكل واللباس والنظافة والتطيب والهندام وصلة هذا بالإرادة، البعض يقول أليس من الزهد ان يقلل الانسان من حسن هندامه وهيئته؟ أليس من الالتفات إلى الدنيا الانشغال بالهيئة والهندام؟ نقول المسألة لا ترجع إلى الشكل قطن يوجد من الحريصين على نظافة الجد وعلى التطيب وعلى الملابس الحسنة مَن هم مِـن أكابر العارفين بالله ويوجد منهم مَن هم مِـن أكابر المراءين الراغبين في لفت أنظار الناس إليهم، أيضا يوجد من أصحاب الثياب الرثة والهيئة البذلة مَن هم مِـن أكابر العارفين بالله أيضا ويوجد منهم مَن هم مِـن المراءين من الناحية الأخرى أو من الغافيلن أو من البعيدين عن معنى الالتزام بالسنة، القضية ليست الهيئة، القضية حال القلب مع الهئية، ماهي وجهة قلبك في هيئة معينة، إذا اغتسلت وقمت على نظافة ما مقصودك من ذلك؟ هل مقصودك التقرب إلى الله، لما علمت أن لله يحب النظافة (إن الله جميل يحب الجمال نظيف يحب النظافة) الله يحب النظافة إذا أنا أحب النظافة بمحبة الله للنظافة وإلا حتى غير المسلمين فيهم أناس نظيفين، فما الفرق بينك وبينهم؟ ما الزيادة التي أكرمك بها إيمانك وأكرمت بها بسبب إيمانك؟ أنت مرتبط بالنظافة لأنها طبع قويم في النفس البشرية فطر الله على ذلك المسلم والكافر إلا من تخلف عن هذه الفطرة، الأصل في الفطرة حب النظافة لكن زيادة على الأصل الموجود في الفطرة أنت مؤمن فأنت تعشق النظافة لأن ربك يحب النظافة، أحببت ما أحبه ربك يا سائر إلى الله، لهذا تحرص على النظافة، لماذا تحرص على الثياب الحسنة؟ (وكلمة الثياب الحسنة لا يعني بها التكلـّف بمضاهات الناس في الثياب أو أن تؤسر للمظهر)، ما الفرق بين من يحسّن هيئته وهو سائر إلى الله في ذلك وبين من يحسن هيئته وهو محجوب عن الله بهيئته؟ قالوا: الفرق أن الذي يحسّن هيئته وهو سائر إلى الله بهيئته هو يحسنها بمستطاعه مما يملك من غير تكلـّفٍ، استطاع أن يلبس من حسن الثياب بما يستطيع من المال لبس، خرج إلى الجمعة بأحسن ما يستطيع، خرج إلى لقاء إخوانه في الله بأحسن ما يستطيع، خرج إلى العيدين بزيادة وبأحسن ما يستطيع، (مما يستطيع وفي حدود الاستطاعة) .
* الهدي النبوي: أهديت له صلى الله عليه وآله وسلم امبيجانية (ثوب حسن) لبسه صلى الله عليه وسلم، جاء وقت من الأوقات ما وجد إلا الإزار فخرج وبطنه وصدره وظهره مكشوف صلوات ربي وسلامه عليه ولا يوجد إلا إزار يستر عورته، ورؤي وهو يلبس الرداء الاخضر ورؤي وهو يلبس الحلة الحمراء (المقصود بالحمراء أي البنية المائلة إلى الاحمرار والتي فيها الخطوط السود، وهي معروفة عند العرب بالحلة الحمراء) ما رأيت من ذي لمة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله فخماً مفخما.. أي أن حاله كان على هذا الشأن، كان يلبس ما وجد ويأكل ما وجد ما لم يكن إثماً صلى الله عليه وآله وسلم، هذا حال السائر إلى الله.

- ماحال المريد:

لكن المحجوب بالمظهر الذي أسر في مرض مظهره هو الذي إن لم يجد أعلى ما يمكن أن يلبسه في المظهر تكدر خاطره، يوم وجد فيه ما يلبسه كأقرانه أو ما يسمى بأحدث ما يوجد (الموضى أو الفوضى ما أدري ما اسمها) لبس أحسن ما يمكن أن يلبسه وفي اليوم الثاني ما وجد المال الذي يمكن أن يشتري به (التقليعة الجديدة في اللباس)، كان هذا الكلام في السابق نوجهه إلى أخواتنا من النساء للأسف صرنا اليوم بحاجة إلى توجيه هذا الكلام للنساء وللرجال ويمكن أصبح الرجال بحاجة إليه أكثر في زماننا!!
ما استطاع أن يلبس التقليعة الجديد ليضاهي بها زملائه يشعر في داخله بالكرب والنقص، إذا خرج إلى مكان يرقب نظرات الناس إليه كيف ينظرون إلى هيئته، إذا جلس بجانب أحد لبس أحدث ما يوجد يشعر أنه ناقص وبالتالي يقوم ويبحث عن مكان آخر (هذا خلل)!! في هذه الحالة نقول إتقانك لهذا اللباس حجاب بينك وبين الله ولا ينبغي أن يكون هذا حال المريد الطالب لقرب الله أبداً.
تعرف لماذا أصبح حجاباً؟ لأنك أصبحت مأسوراً له مملوكاً له، والمريد ليس بمملوكٍ لغير الله عز وجل المريد لا يَملك ولا يُملك، لا يرى أن له شيئاً في ملكه ماجاء بذله لله، ولا يُملك لا يرضى أن يملكه غير الله عز وجل، فإذا صرت تشاور نفسك .. ربما أتأخر عن حضور المناسبة الفلانية، لماذا؟ لأني لا املك الثياب المناسِبة للمناسَبة!! في هذه الحالة أصبح تزينك وتحسنك حجاباً بينك وبين الله، في هذه الحالة أنت بحاجة أن تكسر نفسك .. البس لباس أقل حتى مما تستطيع واخرج لتكسر هذا المعنى في نفسك ولتعالج هذا المرض في داخلك
إذا المشكلة ليست في الهيئة ربما تلبس أحسن اللباس وتكون في السائرين إلى مراتب المعرفة لله وربما يحجبك اللباس عن المعرفة بالله عز وجل.
أنتِ أيضاً أختي المريدة على نفس هذا الحال، التي تجد صعوبة في نفسها ان تحضر مناسبة في حضورها براً أو صلة برحم أو إدخالا للسرور على ذي صلة أو صديقة أو جارة .. فقط لأن ثوبها قد تكرر لبسه في عدد من المناسبات والزوج أو الأب أو الأخ أو هي لم تستطع أن تشتري ثوباً جديداً فخجلت من أن تـُرى بهذا الثوب أكثر من ثلاث أربع مرات في المناسبات، هذا الحال يصبح بسببه التزين حاجباً بينكِ وبين الله عز وجل.
متى يصبح التزين مقرباً لله؟ عندما أتزين لله .. أنا لا أتزين للناس ولما يقولونه عني .. أتزين لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته عليّ.
* علامة الصدق:
النفس تكذب على أصحابها كثيرا .. انتبه تخدعك وتقول لك: في الحقيقة أنا لا أريد ألبس من باب التباهي أو من باب المظهر ولكن لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، بارك الله فيك.. لكن تريد تتأكد هذا الكلام صدق وإلا تكذب عليك الأمارة بالسوء الكذابة، من هي؟ نفسك .. تريد تعرف صدق أو كذب؟ العلامة في ذلك: في حال عدم قدرتك على المستوى الذي كنت ترنو إليه هل يتغير الأمر؟ هل تتردد هل تتراجع؟ لم تتردد ولم تتراجع .. ولكن هل تشعر بالنقص والخجل بين الآخرين؟ هذه مشكلة .. لأنها تجعلك ملتفتاً إلى الصورة مأسوراً لها .. أصبحت قيمتك مرتهنة عندك بنظرة الناس إليك .. إن أكبروك صرت كبيراً وإن استصغروك صرت صغيراً .. اصبحت مملوكاً لمن؟ لنظر الناس. والمريد (أكرر) لا يقبل إلا ان يكون مملوكاً لله عز وجل .. عيب على من يعلم أنه يسير والله ناظر إلى قلبه يرتبك في حال تغير نظرة الناس إليه .. عيب على من جعل الله قيمته فيه روحاً نفخها الله من روحه (ونفخت فيه من روحي) أنت انسان مكرّم عند الله، فكيف ترضى ان تنزل وتسقط وتنحط إلى رتبةٍ تصير فيها قيمتك ساقطة من رتبة النفخة الربانية إلى ان تصير قيمتك بالخرقة البالية التي تلبسها، ان صارت خرقتك شكلها كذا صار لك قيمة وبدونها لم تعد لك قيمة .
* قصة : كانوا يذكرون عن الملا نصر الدين جحا .. تسمعون عن جحا؟ دائما إذا ذكر جحا تضحك الناس ولا يعرف عن جحا إلا أنه مهرجا، جحا بالمناسبة كان عالماً مفكراً وفيلسوفاً وداعياً، لكنه كان يحسن الفكاهة والدعابة التي تدل على المقصود والمعنى، الملا نصر الدين جحا دُعي إلى مناسبة في حيهِ فذهب بهيئته المعتادة المتوسطة أو دون المتوسطة، فأجلس في أخريات الناس ولم يستطع أن يقترب حيث الدسم، فتسلل وانسحب وعاد إلى البيت واستعار من جاره فروة فاخرة ذات قيمة، فلما أقبل نظر الناس إلى هيئته فرحبوا به وأجلسوه في صدر المائدة ، فلما أقبل على الخروف المشوي أمامه صار يأكل لقمة ويضع في الفروة لقمة أخرى ويقول (كلي فالتقديم لكِ لا لي)، لا ترضى أن يكون التقدير للخرقة التي تلبس، لا ترضى أن تكون قيمتك بالحديدة التي تركبها، لا ترضى أن تكون قيمتك بالاثاث.. الخشب الذي تزين به منزلك، ولا ترضي أنتِ أن تكوني كذلك، لا ترضى أن تكون قيمتك بمستوى المعيشة التي تتحدث عنها والمطعم الذي تأكل فيه أو تستدعي الطعام منه، قيمتك أن فيك قلب الله ناظر إليه .. لا تنزل ولا ترضى بالسقوط أبداً.

تقوى ومظهر، أم العكس؟!

عرفت الأمة أكابر من العارفين كانوا ذوي هيئات رثـّة، ينظر الإنسان إليهم لا يلتفت إليهم، نقول هذا خطأ؟ لا.. هذه استطاعته.. لا يملك أن يشتري الهيئة الكبيرة وهو يعلم أن قيمته مافي قلبه وليست الخرقة التي يلبسها، هل لهؤلاء مكرمة لحالهم؟ نعم.. أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم (رُبّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له مدفوعٌ بالابواب إن تزوج لن يُزوج وان تشفعَ لن يُشَفع لو أقسم على الله لأبرّه)، لو قال يارب أقسمت عليك أن تحيل هذه الأرض الخضراء إلى غبراء لفعل الله له، إذاً يمكن أن يكون صاحب هيئة رثة وهو من المقربين؟ نعم، بعض الناس عالجوا المشكلة بطريقة خاطئة.. قالوا ديننا دين نظافة وأبدا ماكان الدين فيه دروشة وبهذلة، بالحقيقة الدين لم يكن فيه عبودية للظاهر والمظهر، الدين حررنا من عبوديتنا للمظهر إلى عبوديتنا للباطن الظاهر جل جلاله، إذا متى ما تيسرت الهيئة الحسنة من دون تكلف فهي الأولى ومتى لم تتيسر فالمتيسر، وأحياناً قد يحتاج المريد لفترة مؤقتة إلى أن يتبذل في هيئته ليكسر نفسه، يعالج مرض الالتفات إلى الخلق لكن بمقدارها وبالرجوع إلى شيخ يدله على كيفيتها في ذلك من الشيوخ المرشدين المربين، وقد يكون الإنسان صاحب هيئة بذلة وهو من كبار أهل الدنيا، يظن نفسه من الزهّاد وهو من كبار أهل الدنيا المتعلقين بها، لماذا؟ لأن هيئته هيئة الفقراء الزهـّاد وقلبه معلق بالدنيا ينتظر متى تأتي الدنيا ومتى يكسبها.
* قصة : كان أحد الصالحين له مريد يسلك على يده يربيه شيخ ويرشده، وهذا المريد يتاجر ويسافر من بلد إلى بلد للتجارة ، فأراد أن يسافر إلى بلدة فجاء يخبر شيخه : شيخي سأغيب فترة أسافر إلى البلدة الفلانية لا تنسونا من الدعاء .. توصونا بشيء؟ قال له شيخه نعم.. البلدة الفلانية فيها شيخ فلان من أكابر الصالحين والأولياء مظنة ولاية، اذهب واطلب الدعاء منه لك ولي وقل له: شيخي فلان يقرئك السلام ويقول لك: ادعُ لي. قال هذا التلميذ التاجر ذهبت إلى البلدة فلما دخلت سألت بعض أهل هذه البلدة: أين زاوية الشيخ فلان؟ فضحك وقال الشيخ فلان يسكن في قصر. قال فقلت في نفسي هذه واحدة، على كل حال أين قصر الشيخ فلان؟ دلوه عليه فذهب وقرع الباب.. أين الشيخ؟ قالوا: الشيخ معزوم على غداء عند الملك، قال هذه الثانية، وبينما هو في خاطره (كيف الشيخ فلان عند الملك في قصر وشيخي يقول قل له: يدعو لي وله؟ اصبر من أجل شيخي) وهو تخيل وركّب صورة الصالح على أن الصالح لا بد أن يكون الشخص الذي لا مال عنده ولا مسكن عنده لا يخالط الناس ويبتعد عن الدنيا… وإلا لا يكون صالحاً. قال فإذا به يأتي، فجاء على خيل فاخر ومعه خدم من أمامه ومن خلفه فلما دخل وجلس في القصر استأذن فأذن له ولما جاء سلم عليه -وقد تبخر حسن الظن ماعاد بقي منه شيء، لكن من باب أداء أمانة السلام-، فقال يا شيخ شيخي فلان يقرئك السلام ويقول لك لا تنساه من الدعاء وادعُ لي، فقال: أنت شيخك أخي فلان؟ قال نعم، قال أقرءه السلام وقل له أخوك فلان يسلم عليك ويقول لك إلى متى وقلبك معلق بالدنيا، أما آن لك أن تقطع علائق الدنيا عن قلبك؟ قال فهممت أن أرفع يدي وأضربه على وجهه!! شيخي الذي يعيش في عشّة ويأكل في اليوم وجبة يفطر عليها وهو صائم ولا يملك شيء من متاع الدنيا وهذا في قصر وكان عند السلطان تغدى ويأتي في موكب وبعد يريد يعلم شيخي (يتفلسف) يقول له إلى متى التعلق بالدنيا؟ قال فما منعني إلا الأدب مع شيخي الذي قال لي أنه من الصالحين. (وهنا فائدة الأدب مع الصالحين في كلامهم)، يقول فانصرفت ورجعت إلى البلدة فلما زرت شيخي قال: لي زرت شيخ فلان حفظه الله؟ قال كيف شيخ فلان عارف بالله وولي وهو ساكن في قصر وكان عند الملك يتغدى عنده وجاء في موكب وبعد يقول لي سلم على فلان وقول له إلى متى التعلق بالدنيا (أما آن لك ان تقطع علائق الدنيا عن قلبك؟) فأجهش الشيخ بالبكاء!! أو قال لك ذلك؟ قال: نعم فأغشي عليه … الشباب اليوم يستغربون من كلمة أغشي عليه شخص يدوخ ويغشى عليه من معنى، لكن ما يستغربون أن شخص يغشى عليه لأن الفريق الذي يشجعه ما فاز بالكرة، أو لأنها رأت الممثلة الفلانية أو الممثل الفلاني، لكن يستغربون إذا قيل أن فلان أغشي عليه من معنى من ذكر من آية من قصيدة سمعها، هذا أغشي عليه من التأثر.. فلما أفاق صار يبكي سائر يومه وفي اليوم الثاني جاء التلميذ قال طيب أفهمني ما فهمت، قال نعم إن الرجل الذي رأيته في صورة من الدنيا لم يكن في قلبه شيء من الالتفات إليها وهو مسخر لها في رضوان الله، وأنا تراني في حالة في صورتها ليس فيها التفات إلى الدنيا لكن تمر على قلبي في بعض الاحيان خواطر لو أن لي شيئاً من الدنيا، فكان أخي العارف بالله الذي أرسلك إليّ بهذه لنصيحة كأن الله أشعره بفراسة المؤمن لينبهني إلى العيب الذي عندي.

ننصرف من هذا المجلس

بأن المسألة ليست بالصورة لكن حتى لا تخادعنا أنفسنا، لأن النفس خداعة أمارة بالسوء .. لا تقل أنا هيئتي حسنة وقلبي غير معلق، أول ما تدعي هذا فهي علامة على أنك لست كذلك، الدعوى لا تكون على معنى الصدق،
حالك في الدعوى مالم تفارق بنور فرقان يراه الذائق لا بارتفاع الجاه والخوارق
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الطهارة الظاهرة والباطنة وأن يجعل باطننا وظاهرنا طاهرين، اللهم اجعل سريرتنا خيراً من علانيتنا واجعل علانيتنا صالحة، اللهم أكرمنا بكمال الطهارة واجعلنا من خاصة أهلها، اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين واجعلنا من خاصة عبادك الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي الطاهر الزكي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.
* مشاهدة وتحميل الحلقة الثانية عشر- فيديو - من هنا
* تحميل الحلقة الثانية عشر – صوت – من هنا
* المزيد من الدروس عبر الرابط من هنا

Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger