الرئيسية » » الدرس الحادي عشر – الحسد

الدرس الحادي عشر – الحسد


الحمد لله الذي يطهر قلوب الصادقين في الإقبال على طلب الطهارة، والذي يعين عباده على تنقية قلوبهم في مسلك صدق الإقبال عليه فله الحمد على ما أعطى وله الحمد على ما يعطي وله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد الرضى، اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد، صاحب أطهر قلب في هذا الوجود وعلى آل بيته وأصحابه وتابعيهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
كان الحديث في المجلس الذي مضى والذي قبله عن الالتفات إلى القلب بقصد تطهيره وتنقيته من قاذورات علقت به من معاصي القلب وأمراضه، مر معنا في الكلام عن معالجة القلب من مرض الكبر الذي هو علامة على جهل صاحبه، ومر معنا الكلام عن معالجة القلب من ظلمة الرياء الذي هو دليل على استهانة القلب من عظمة الله عز وجل، وعلى التفات القلب بحمق إلى حب المنزلة بين الناس، قال الإمام الحداد رحمه الله: الرياء علامة على حمق صاحبه لماذا؟ قال: لأنه يلتفت بما يتوجه به إلى الله إلى من لا ينفعه ولا يضره من الخلق ..
ويأتي الحديث في هذا المجلس طلبا للتخلص من الحسد، الذي هو المرض الثالث من أمهات أمراض القلوب ومعاصي القلوب..
* استمع للحلقة الحادية عشر وأنت تتصفح :

الحسد

لو تذكرتم في المجالس الماضية كان الحديث عن أن الكبر يورث القلب التفاتاً إلى الناس لأن فيه مقارنة بين النفس والأخرين، يرى نفسه أفضل من الأخرين ففيه التفات إلى النفس، وهذا الالتفات يتطور من كبر واستعلاء على الناس إلى مراءاة للناس، استجداء لإكرام الناس له واحترام الناس وتعظيم الناس وحب المنزلة لديهم، هذا الأمر إذا تطور في نفس صاحبه يتحول إلى مرض ثالث وهو الحسد، معصية من معاصي القلب وهي استثقال رؤية النعمة لدى الخلق أن يثقل عليك أن ترى منعما عليه بنعمة دنيوية أو أخروية، من أين يأتي هذا الاستثقال؟ يأتي من أنك مشغول بمنزلة بين الناس، فإذا كانت منزلتك بين الناس على علم ثقل عليك أن ترى من هو أعلم منك لأن الناس ستلتفت إليه، فأصبح المرض متطوراَ إلى حد استثقال أن ترى النعمة على غيرك، لماذا؟ لأنك لا تريد الخلق أن يلتفتون إليه، تريدهم يلتفتون إليك، إذا كانت المنزلة التي ترجوها بين الناس بسبب المال وقدرة على تحصيل المال ونجاح في المشروعات يثقل عليك أن ترى أمامك من ينجح في المشروعات لأنه سيصرف أنظار الناس إليه. في علم في مكانة في جاه أياَ كان. امتلاء القلب بظلمة حب المنزلة بين الناس يورث القلب بعد ذلك هذا المرض الثالث وهو الحسد:استثقال رؤية النعمة، وإذا قلنا أن الكبر دليل على الجهل والرياء دليل على الحمق، فإن الحسد معاداة لله ظاهرة والعياذ بالله!! هل يقبل إنسان أن يجد نفسه معادٍ لرب العزة؟! الحسد معاداة لله ظاهرة لأن الذي يحسد كأنه يعارض الله عز وجل، لماذا أعطيت فلان؟ عندما يثقل عليك أن ترى النعمة عند أحد من الخلق فكأنك تعترض على الذي أعطاه النعمة سبحانه وتعالى.
هذا خطر الحسد أن تعيش في قلب مظلم يثقل عليه أن يرى الخير لدى الناس ويواجه الله بالاعتراض على الله بالإنعام على خلقه ..

أنواع الحسد

1. الحسد الإبليسي : تمني زوال النعمة من الغير ولو لم تؤول إليه :

أن يتمنى زوال النعمة من الذي أمامه ولو لم تعد إليه هو، واحد ينجح في صفقة من الصفقات تتمنى أن يخسر ولو لم تكن لك الصفقة، علي وعلى أعدائي كما يقولون، هذا حسد إبليسي، إبليس ثقل عليه أن يرى معنى الإجلال والإكرام والمكانة والمنزلة تنصرف إلى أبينا آدم عليه السلام فحمله هذا الحسد على معاندة رب العزة برفض السجود ثم بعد ذلك بدل من أن يعود إلى الله ويعتذر ويتوب وربما لواعتذر وتاب لغفر الله له، وكرم الله واسع، ولكنه عوضا من أن يتوب قام يتوعد الحق عز وجل في آدم وذريته (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) سأريك!! كل هؤلاء سأفعل فيهم كذا وكذا، هل فعلك في أبناء آدم يعيد منزلتك يا إبليس؟ هل يرد إليك المكانة التي فقدتها في هذا الموقف؟ لا!! لن يرد إليه المكانة، لشدة ظلمة الحسد في قلبه وسواد الحسد في قلبه انحرف عن التفكير في كيفية تعويض الخسارة التي حصلت له وتعويض المكانة التي فقدها إلى كيفية الإضرار بمن نال الفضل والمنزلة، كيفية القضاء على النعمة التي نالها غيره، هذا أشنع أنواع الحسد.

2. تمني زوال النعمة من الغير لتعود إليه :

يتمنى زوال النعمة من الذي أمامه لكن لتؤول إليه هو، يتمنى فلان يخسر ليربح هو، يتمنى فلان تسقط مكانته لأجل هو يكون مكانه في هذا الأمر، هذا يتمنى زوال النعمة لينالها هو، هذا أيضا قبيح وشيئ قذر في القلب والعياذ بالله خلصنا الله وإياكم منه، ولكنه أخف سوءا من الذي قبله.

3. تمني زوال النعمة من الغير لتحصل له، فإن لم تحصل رضي ببقائها لدى الغير

يتمنى زوال النعمة من الذي أمامه وحصولها له، لكن إن لم يكن هناك سبيل لتتحول إليه رضي أن تبقى النعمة عند غيره، هذا أيضا سيء لكنه أفضل من النوعين الذين قبله.

4. الغبطة :

ليس بسيئ يسمى الغبطة في صورته استثقال، لماذا فلان نال كذا؟ لكني لا أتمنى أن يخسر فلان ولكن أتمنى أن أنال مثل ما ينال هو، هذه هي الغبطة حسد المؤمن غبطة، المؤمن لا يحسد لكن يغبط، ما معنى يغبط؟ يتمنى أن ينال مثل الذي ناله الذي أمامه، لا بزوال النعمة عن الذي أمامه.
النوع الرابع لا بأس أن يحصل للمؤمن، رأيت إنسان عنده شيئ من الخير،حفظ القرآن قبلك، تستثقل أن لا تحفظ أنت القرآن فتتمنى أن تحفظ أنت القرآن لكن لا تستثقل أن يحفظ هو القرآن، فحملك هذا على حفظ القرآن وتنال ما ناله، لا أن تتمنى زوال ما عنده، هذا من باب التنافس (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) هذا شيء محمود، وهو يرجع إلى أصل المسألة في نفس الإنسان وهو تمني السبق تمني التمييز تمني التقدم إذا جاء على هذا النحو فلا بأس ولكن المشكلة في الثلاثة الأنواع الأولى، أن يتمنى الإنسان زوال النعمة.

عواقب الحسد

في الدنيا

1. الحسود مهموم ومنكود :
الحسود مهموم مدة حياته كلها، الذي يغلب على قلبه ظلمة الحسد لا يحب أن يرى منعم عليه، لا يحب أن يرى شخص مستقر مع أسرته فيحاول أن يفتن، لا يحب أن يرى إنسان منعم عليه بشيء من خيرات الدنيا، لا يحب أن يرى إنسان منعم عليه بخير أو بعلم وبصلاح، دائما لما يرى ماعند الناس من خير يثقل عليه ذلك فيتمنى زوال هذا الخير، هذا مسكين يعيش حياته كلها في كمد لأن فضل الله لا ينقطع على خلقه فهو دائما يرى فضل الله ونعم الله لدى الخلق وهو دائما في نكد في نكد إلى أن يموت، لو لم يكن للحسد عقوبة إلا هذه لكفت، هذه واحدة، فهو في الدنيا منكود.
2. الحسود ليس له صاحب :
لأن صلته بالناس تكون صورية، الحسود مهما اصطنع المحبة مع الناس، لا بد أن يأتي وقت وتبرز منه تصرفات تدل على أنه حاسد فتنفر الناس منه، فالحسود ليس له صاحب يعيش منبوذا مهما حاول أن يخفي الأمر.
3. الحسود محروم من ذلة المصافاة :
هذا في الدنيا قبل الآخرة، لايستطيع أن يعيش معنى المصافاه في صلته بالخلق، كل ما رأى أحدا نال شيئ ثقل عليه فهو مكدر الحال، بينما الذي تهنأ نفسه للخير للخلق يعيش معنى الصفاء، لأن صلته بالناس قائمة على حب الخير للناس.
4. الحسود لايمكن أن يكون داعي إلى الله :
لا يمكن أن يخدم الإسلام قط، مهما حاول أن يعمل صور من خدمة الإسلام لا يستطيع أن يكون سبب في إيصال الخير إلى الخلائق، لأن الأصل في الدعوة إلى الله أن توصل نور الإيمان إلى الأخرين، ما معنى هذا ؟ أن توصل الخير إليهم ما معنى هذا؟ أن تكون سببا ً في سعادتهم، فإذا كان القلب فيه حسد يستثقل الخير على البشر كيف يكون سبباً في إيصال الخير إليهم!!
* قصة : على سبيل المضحك المبكي كان أحد الأئمة الأفاضل إمام مسجد يحكي لي اسمه الشيخ محمد الشنقيطي قال كان في نفس المنطقة التي نحن فيها رجل من الولايات المتحدة يعمل في شركة بترول ومكث نحو عشرين سنة في البلد التي نحن فيه،ا ثم بعد ذلك قرب انتهاء عقده ليرجع إلى بلاده فذهب إلى رجل على هيئته صورة تدين، ذهب إليه فقال يا شيخ أنا عمري الآن في الستين ومدة جلوسي في بلدكم المسلمة بدأت أحب الإسلام هل يمكن إذا أسلمت أن يغفر الله لي ما حصل؟ فقال له: ستين سنة وأنت في المعاصي والذنوب واللخبطات بعدين خلاص تريد تدخل الجنة.. صعب لا يمكن، لا خلاص انتهت المسألة. فالرجل صدّق وعاد وهو منكسر، بعد ستة أشهر لايزال اللاعج والرغبة في قلبه أن يقبل على الخير في قلبه جعله يذهب إلى شيخ الذي قص لي القصة وقال له: هل يمكن أن أسلم؟ قال: بالطبع الآن انطق بالشهادتين، قال: أنت متأكد أنه يمكن؟ قال: أنت مقتنع بالاسلام ومعتقد به؟ قال: نعم، قال الأن انطق بالشهادتين لاتتردد، فنطق بالشهادتين وبكى قال له: ما يبكيك؟ قال ذهبت إلى شيخ قبل أو رجل في صورة أو هيئة شيخ وقال لي: خلاص لا يمكن قال له: من هذا؟ قال فلان الذي في نفس البلدة في المنطقة الفلانية، يقول الشيخ اتصلت به قلت له جاءك منذ أشهر خواجة وقال لك أنه يريد يسلم وقلت له خلاص ماعاد ينفع أنت في الستين؟ قال نعم، قال كيف فعلت ذلك؟! قال: الله المستعان هذا له ستين سنه يتمتع بالحرام وبالبنات وكل ما يريده بالدنيا وبعد يدخل الجنة معنا بعد هذا كله!! شفت المشكلة يدخل الجنة معنا.
- الحكمة من القصة : في هذه القصة ثلاث مشاكل ولكن مرجعها إلى مشكلة واحدة الحسد : فالأولى وهي الحسد، ما يريد أن يرى النعمة لهذا الإنسان، المشكلة الثانية أنه جزم أنه داخل الجنة وهذه مصيبة ثانية، العجب أورثه الكبر (يدخل الجنة معنا) هل ضمنت أنك داخل الجنة أصلاً؟، المشكلة الثالثة أعمق، أنه متحسر لأنه محروم من التلذذ بالمعاصي!! كيف هذا يتلذذ بالمعاصي ونحن لا نتمتع؟! فهو مغتاظ لماذا الآخر يتمتع بها وهو لا يتمتع، لماذا؟ بسبب الحسد.
5.الحسود محروم لذة الطاعة :
إذا حرم الصفاء وصار منكود فلا يذوق لذة الطاعة أبداً، لايمكن للحسود أن يتلذذ بمناجاة الله!! لا يمكن لحسود أن يعيش الأنس بالله، لأنه يقابل الله بالمعادة (أنت يارب لماذا تعطي فلان وفلان…) فيقابل الله بما لا يحب الحق عزّ وجل أن يراه في قلوب خلقه الذين يقبلون عليه، هذه المشاكل كلها في الدنيا .

في الآخرة

الحسد يحرق الحسنات، الحسد سبب لغضب الله، الحسد سبب للطرد، أما علمت أن الحسد كان سبباً في طرد إبليس؟ فالحسود مطرود، وهو سبب في دخول النار والعياذ بالله، الحسد يكون مقدمة لسلب الإيمان إذا لم ينتبه صاحبه والعياذ بالله، كيف؟ يكون سبب في سلب الإيمان؟ لأنه يعترض على الله ويعترض على الله .. يارب لماذا أعطيت فلان .. لماذا يسرت لفلان .. لماذا لماذا؟ خلاص يشعر تجاه ربه شعور لا أقدر أن أصفه إحساس أني غير راض بما يأتي منك يارب، هذا الحال إذا توصل إليه ماذا بقي له من إيمانه؟ ضاع وفقد إيمانه من أصله.
فتش عن الحسد
أيها المريد السائر إلى الله تعال أدخل إلى قلبك فتش، لأن الحسد أحياناً يخفى في النفس في داخل القلب، كم مرة من المرات شعرت أنك تغيظت على إنسان زيادة عن الحد في كلامك معه بسبب تافه لا يقتضي الصياح والصراخ، فتش تجد أنك ربما استثقلت منه شيئا، حسدته في شيئ فجاءت أدنى مشكلة جعلتك تقوم وتتكلم عليه بكثرة، كانوا يقولون أسوأ أنواع الحسد حسد العلماء وطلبة العلم والدعاة والسالكين أيضاً السائرين إلى الله عزوجل، لماذا؟ قال من المفترض أنهم الذين يعملون على بضاعة تطهير القلوب فإذا حسد طالبُ علم طالبَ علم .. ينتظر متى سيخطئ، فإذا أخطأ شنّ الحملة الكبيرة عليه ليس في جزئية الخطأ البسيطة بل بنى على الخطأ القضاء على كل ما يأتي من هذا العالم أو الداعية أو طالب العلم أو السالك إلى الله، لماذا؟ لأن المسألة مسألة حسد ليست مسألة انتقاد، كذلك في البيع والشراء والتجارة، لا لا لا هذا فلان لا يمكن أن نثق فيه أبداً، لماذا؟ في اليوم الفلاني عندما نزلت البضاعة إلى السوق لم ينبه الناس إلى المشكلة الفلانية في البضاعة، هل هناك احتمال أنه لم ينبه الناس نسيانأً؟ وارد هذا الإحتمال، لماذا أنت مباشرة اعتبرت أنه خائن أنه سيئ؟ لأني وإياه في نفس العمل، تنافس قائم فالحسد جاء، عندما يأتي مزارع وله مزارع آخر فحصل خطأ من هذا المزارع في شئ من أساليب الزراعة أثر على نوعية الزراعة التي يزرعها على المحصول، لالا هذا فلان لا تأمنوه أبداً هذا خائن، لا نأتمنه على بطون الناس وعلى أرزاق الناس فعل كذا وكذا، من الذي يشنع عليه؟ مزارع مثله من نفس العمل لماذا؟ لأنه يثقل أن يراه قد برز أو تفوق في شيئ.

علاج الحسد

1- كراهية الحسد:

أن تكره هذه الصفة فيك، اعترف!! جزئية منها موجودة واكره وجودها في داخلك، اجعل الله ينظر إلى قلبك فيرى من قلبك كراهية الحسد، كراهية أن تحسد غيرك.

2- الدعاء لمن تستثثقل رؤية النعمة عليه :

رأيت إنسان أنعم الله عليه بنعمة ظاهرة أو باطنة وشعرت في قلبك شيء من الاستثقال لرؤية النعمة.. اللهم زده وبارك له فيها .. اللهم وفقه لحسن الاداء فيها .. اللهم نعمه بها في الدنيا والأخرة .. اللهم أكرمه وأكرم ذريته بزيادة من عندك، البعض يقول: تريدني أن أدعو وقلبي غير راضي، ممكن أن أقول بلساني لكن ما أريد أضحك وأخادع ربي أنا ما أستطيع، أقول يارب زده وقلبي يقول لا تزيده، افعل حتى لو حصل ذلك، فإذا قلت يارب زده وقلبك يقول لا يارب لا تزده قل يارب أنا أبرأ إليك من هذا الذي في قلبي الذي أستطيع لساني حركتها فأعني على مالا أستطيع، توجهت إليك فيما يرضيك بما أستطيع فأعني فيما لا أستطيع .. يكرمك الله سبحانه وتعالى، وهذه من الأدوية المجربة لعلاج الحسد في القلب، أنك تدعو لمن استثقلت رؤية النعمة عنده وتسأل الله عزوجل أن يزيدهم من هذه النعمة.

3- تحدث بالثناء على من تحسده في غيابه :

تتحدث بالثناء على من استثقلت رؤية النعمة عنده، إن كان لك زميل في ميدان عمل أو في دراستك أو في أي مجال .. استثقلت النعمة التي عنده .. أثني على الخير الذي عنده في غيابه أمام الناس، أما أمامه تثني عليه ومن خلفه تتكلم عليه هذا نفاق هذه مداهنة، لكن الكلام في غيابه أثني على الخير الذي ناله ومكـّن ثمرة هذا الخير في قلوب الناس، تعرف أين يأتي العلاج هنا؟ هذا مثل العلاج المباشر على مشكلة حسد النفس ..لماذا حسدت؟تريد أن تتمتع؟ .. تريد منزلة عند الناس؟ … تتمتع بالمكانة، فإذا كان الذي ينافسك ينافسك في علم أو في تجارة أو في صناعة أو في تقنية أو في أي مجال، وبدأت تثني على إتقانه أمام الناس في غيابه، أنت ماذا تفعل هنا؟ أنت تؤكد المكانة التي ستصير له قي قلوب الناس بسبب النعمة التي معه، ماذا تفعل أنت الآن؟ أنت تستأصل المشكلة من أصلها في قلبك، أنت لماذا استكثرت واستثقلت أن ترى النعمة عليه لماذا حسدته؟ لأنك ترى أن هذه النعمة ستجعل له مكانة تنافسك عند الناس إذا بدأت تمكن له هذه المكانة في قلوب الناس أنت أخزيت النفس بكل ما يمكن أن تخزى به، أنت الآن قتلت هذه المشكلة من داخلك واستأصلتها من أصلها، فمن ثبت على ذلك ..
هذا تثقيل؟؟ أنت تريد القرب من الله عزوجل تريد أن تكون سائر إلى الله؟ ليس من السهولة بمكان من أبدا!! من المرة الأولى ستخرج متحمس بعد سماعك هذا الكلام في المجلس، اللهم اني كنت مستثقل الخير الذي عند فلان اللهم زده من هذا الخير اللهم أكرمه وبارك فيه .. غداً ستجلس بين أصحابك تقول فلان ما شاء الله ممتاز وهذا المجال الذي يتقنه سينفع كثير وأنا مسرور من نجاحه، إلى هذا الحد يمكن!! لكن بعد يومين ثلاثة أيام الناس الذين أثنيت عليه أمامهم سيبدؤون هم ينطقون بهذا الثناء ويسمعونك، تبدأ النفس تضيق، مدحوه مرة ثانية فتقول نعم نعم هو كذلك، مرة أخرى (بتغيض) عرفنا أنه ممتاز، من أين جاء هذا؟ لآن الخناق بدأ يضيق عليه، معنى كلامي هذا أن المسألة تحتاج إلى استمرار، أنك هنا تعارض نفسك فيما تريد، أنت الأن تستأصل مرض من داخل القلب من عمق القلب، وهو مرض الحسد.

4- فكر كيف تساعد مَن حسدته :

شعرت باستثقال في نفسك لما أعطاه الله هذه النعمة إن استطعت أن تساعده في شيئ يعينه على النعمة التي هو فيها هذا أيضاً سيعالج المرض أكثر وأكثر في قلبك، وسينظر الله إلى قلبك (وهو المطلوب وهي الثمرة) فإذا نظر الله إلى قلبك ورأى أنك تعامله على هذا النحو تجلى الله عليك بنوره، وإذا تجلى عليك سبحانه وتعالى بنوره عاد على قلبك بطهارة لم تكن تعهدها من قبل، وصار قلبك يهنأ للناس، وصار قلبك سبباً لإيصال الخير إلى الناس وصرت تعشق أن ترى النعمة لدى الخلق، لماذا؟ لأنك ترى تجليات المنعم سبحانه وتعالى..

الثمرة :

يا مريد افهم هذا المعنى وتنبه له .. إذا عالجت نفسك الآن بما يذكره الآن وما يذكره العلماء بمعالجة الحسد وبدأت ترى إشراق في قلبك، ما هو هذا الإشراق؟ نور الفرح برؤية نعمة المنعم على خلقه، معنى هذا أنك بدأت تشهد تجليات الله، رأيت إنسان أنعم الله عليه بنعمة، شهدت ماذا؟ في الصورة شهدت بشر ونعمة جاءت له، أما في الحقيقة شهدت تجلي الله سبحانه وتعالى باسمه المنعم على هذا العبد فانتقلت من ظلمة الحسد إلى نورانية شهود تجلي الله سبحانه وتعالى بنعمة على عباده، فكلما رأيت منعماً عليه رأيت رتبة أو مشهداً أو معنىً من معاني تجليات الله باسمه المنعم، فإذا ترى تجليات اسم الله المنعم وتجليات الله باسم الله المنعم هنا، فيمتلئ قلبك بأنوار اسم الله المنعم فتصبح انت متجلى عليك باسمه المنعم، وعند إذن يتجلى الله عليك بنعمة الوصول إليه التي من أجلها سلكت وأنصت لهذا الكلام وحضرت مثل هذا الدرس.

ننصرف من هذا المجلس ..

بأي وجهة وبأي حال؟ بعد أن تكلمنا في ثلاثة مجالس على أمهات أمراض القلوب، هل بقي من الكبر شيئ لم تعد تكرهه في نفسك؟ نعم!! نأخذ وقت لنجتهد كي نتخلص منه نستعين بالله على ذلك، الرياء: التفات إلى الناس، الحسد: استثقال رؤية النعمة على أحد، سنعمل على التخلص منها..
ستخرج من هذا المجلس وأمامك شغل، تتخلص من الكبر بتذكر حالك ونقصك، نتخلص من الكبر بالأعمال ومبارة الناس بالسلام، تنظف البيت وتنظف حمامات المساجد، نتخلص من الرياء باستشعار عظمة الحق سبحانه وتعالى حتى لا نطلب المكانة بين الخلق، نكره خاطر الرياء الذي يحصل عندنا، نكثر من ذكر لا إله إلا الله، نتخلص من الحسد بكراهة هذه الصفة مع الاعتراف بوجودها، بالدعاء لمن نرى عنده نعمة ونشعر من أنفسنا استثقال من رؤية النعمة، الثناء عليهم في غيابه بمساعدتهم على الازدياد من الخير الذي هم فيه بالبحث عن شهود أنوار المنعم سبحانه وتعالى ..
هذه الأمراض أو المعاصي الثلاثة تتفرع عنها أمراض ومعاصي كثيرة في القلوب لأن أمراض القلوب كثيرة والعياذ بالله، لكن الذي يعتني بتطهير قلبه من هذه الأمراض الثلاثة فجميع ما عداها، دونها ومتفرع عنها، كأنك عالجت الأصل، فإذا أقبلت على هذا المعنى ورضيت بأن تمر عليك أيام وأوقات وجهود وفكر وبذل لتتخلص منها بدأت أنوار الطهارة تشرق على قلبك، انتقلنا الآن عن الكلام عن قلب طاهر أو قلب يرتقي في التطهر شيئا فشيئا، فإذا وصلنا إلى الحديث عن الطهارة سيكون حديثنا إن شاء الله عز وجل بالمجلس القادم عن (طهارة الظاهر) كان الكلام عن (تطهير الباطن) القلب من القاذورات والمعاصي والأمراض بقي تطهير الظاهر الذي لو اجتمع مع الباطن تهيأ الإنسان إلى السير إلى الله عز وجل ..يا أيها المريد أطلب طهارة باطنك وظاهرك..
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا واياكم كمال طهارة الظاهر والباطن .. يا باطن يا ظاهر .. طهر منا البواطن والظواهر واجعلنا من عبادك الصالحين .. اللهم نقِ قلوبنا من ظلمة الحسد.. اللهم ارزق قلوبنا محبة الخير لعبادك .. اللهم اجعلنا من أنفع خلقك لخلقك وأقربهم إليك.. اللهم إن محبتك لعبدك تزداد بمحبته لخلقك وبذله النفع لهم فاجعلنا ممن تحبهم ببذل النفع لعبادك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
* مشاهدة وتحميل الحلقة الحاديةة عشر- فيديو - من هنا
* تحميل الحلقة الحادية عشر – صوت - من هنا
* المزيد من الدروس عبر الرابط من هنا

Share this article :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyleft © 2011. موقع أهل السنة والجماعة - All lefts Reserved
تعريب وتطوير : موقع أهل السنة والجماعة
Proudly powered by Blogger